وجدانيات الطفولة (1)
  

د. علي جبران
 

 
الوجدانيات هي مجموعة القوى التي تتحكم في السلوك الداخلي للإنسان, فتجعله مطمئنا في نفسه، وإيجابيا مع مختلف المواقف، ومع الأشخاص الآخرين.
تلك القوى هي التي تكون قادرة على التحكم في جميع الانفعالات والمشاعر، والعواطف الكامنة في النفس تجاه ما يحيط بالإنسان في مجتمعه. بالإضافة إلى ذلك فإن الوجدانيات هي التي تتحكم بسلوك الطفل، فيما يتعلق بسرعة وكيفية الاستجابة للمواقف, وطريقة إعطاء قيمة للأشياء, وإمكانية تقبل قيمة أمر ما, وتفضيل شيء على آخر, ومجاملة الآخرين.
إن كل هذه الأحاسيس والمشاعر المختلفة وما ينتج عنها من سعادة أو كآبة, وفرح أو حزن, وايجابية أو سلبية هي التي تشكل وجدان الطفل. إن طبيعة وجدانيات الطفل هذه إذا هي التي تصنع طبيعة نفسيته. فان كانت ايجابية فان النفسية تكون كذلك, وان كانت سلبية فان نفسية الطفل تكون مثلها. من هنا تأتي أهمية الانتباه لكيفية غرز مكونات الوجدانيات في النفوس, ومعرفة مقدارها الصحيح قبل أن تبنى نفسية الطفل على أساس خاطئ. فالتربية الوجدانية في هذا الإطار هي التي تسعى لصقل كل المشاعر والأحاسيس في شخصية الطفل عن طريق التخلص من سلبيتها, وتنمية العناصر الايجابية منها, من أجل تكوين النظرة الايجابية للكون والإنسان والحياة.
لقد رأيت مرة طفلا في الثالثة من عمره كئيبا حزينا, حاولت جاهدا رسم الابتسامة على وجنتيه البريئتين، بمداعبة ومزحة ونكتة؛ لكني لم أتمكن من ذلك. ولقد علمت أن هذا الأمر في منتهى الخطورة على نفسية الطفل؛ بل وعلى مستقبله, فعمدت لتقصي الأمر من أجل معرفة أين يكمن الخلل. لقد تبين لدي أن الأم استطاعت تربية أربعة قبله، فتعبت من طول هذه الفترة كما تقول. ثم إن الأخ الأكبر لهذا الطفل لا يشعر بأدنى مسؤولية تجاهه، ولا مجرد اللعب معه بعد العودة من المدرسة. أما أخته فإنها لا تساعد الأم في رعايته ولم تشتر له شيئا يحبه من مدرستها؛ النتيجة أن الطفل يعيش في بيئة مملة وساكنة بل وسلبية, ولن تخرج غير صاحب الشخصية المعقدة المكبوتة الذي سيصل إلى مرحلة يبحث فيها عن الانتقام من مثل هذه البيئة. وأول من ينتقم منهم هم أولئك الذين صنعوا بيئته السلبية والسيئة التي عاش فيها، ولربما يكون الانتقام في أدنى صوره وهو عدم الاحترام والتقدير لأسرته, أو قد يكون في صور أخرى لا تحمد عقباها.

إذا كيف ينبغي أن تكون نفسية الطفل؟ وما هي البيئة المطلوبة التي يمكنها أن تصنع تلك النفسية؟ إن
الطفل لا يتوقع منه غير أن يكون صاحب نفسية مستريحة مطمئنة كي يرى الأمور بايجابية. نفسية لا تعرف الاكتئاب أبدا ولا تعرف الحزن غير المبرر أبدا. نفسية تنظر إلى الأمور بحيوية ودافعية وسعادة, لأنها بريئة من كل ما يمكن أن يكدر صفوها. ثم إن البيئة المطلوبة لإخراج مثل هذا الطفل هي كذلك بيئة ايجابية سعيدة وحيوية وفعالة, كي تجلب الفرح إلى قلوب الأطفال. إنها بيئة مبنية على الحب والوئام والرفق والحنان. بيئة تحترم فيها الطفولة, وتقدر جهودها, وبالتالي يتم التأكيد على كينونة هؤلاء الأطفال. تلك البيئة ستكون قادرة على صنع النفسية المطلوبة لحياة الطفل. ولكن ينبغي أن نؤكد هنا أن الخطاب التربوي العلمي للطفل والمبني على احترام الوجدان وتنميته هو من القضايا الغائبة عن كثير من مؤسساتنا التربوية سواء كانت الأسرة أو المدرسة أو غيرها من المؤسسات. انه من الواجب على كل ولي أمر أو مرب أن ينتبه لمثل ذلك, ويعلم أن صنع نفسية الطفل يعني صنع إرادته, وأن صنع إرادته يعني صنع مستقبله.

مقالات أخرى :

هذا ما نريد ... إمرأة بألف !

لماذا الحديث عن بطالة النساء..؟!!

 تحرير المفاهيم في قضايا الجندر
ختان الإناث فى مؤتمرات الأمم المتحدة للمرأة

اليوجينيا Eugenics

ملك الختان
الفقر والجوع القادم !!

سأكون كأبي ضمضم
حركة العصر الجديد

دعوة "سدوم"..تعيدها الأمم المتحدة

النظام العالمى الجديد وسياسات السيطرة على السكان

جميع الحقوق  محفوظة الإ للنشر الدعوي مع الإشارة للمصدر  موقع منظمة أم عطية 2009  اتصل بنا  info@umatia.org

المشرف العام على الموقع  د . ست البنات خالد  السودان - الخرطوم