المعركة القانونية القادمة ستكون في قانون الأحوال الشخصية
  

د. ست البنات خالد محمد على
إستشارى أمراض النساء والتوليد
 

     شهد البرلمان السوداني ملاسنات حادة بين رئيس كتلة حزب المؤتمر الوطني الدكتور غازي صلاح الدين ورئيس كتلة الحركة الشعبية ياسر عرمان على خلفية وصف الثاني للعقوبات الإسلامية، المنصوص عليها في القانون الجنائي السوداني " بأن الشريعة الإسلامية توقع عقوبات مهينة على المواطن السوداني".
ودعا ياسر عرمان إلى اسقاط الجلد في الجرائم الحدية كالزنا وغيرها من الجرائم بحجة أنه مخالف للدستور السوداني للعام 2005م، الذي أجيز عقب اتفاقية السلام بين الشمال والجنوب. كما قال آخرون منهم أن "القانون بالي وعفا عليه الزمن"
على ضوء ما حصل فإننا نقول:
أن المعركة القانونية القادمة ستكون في قانون الأحوال الشخصية الذي تنشط الآن جمعيات متخصصة وبعض منظمات المجتمع المدني وأحزاب علمانية من أجل تغييره.
لا يمكننا النظر إلى موجة تغيير قوانين الأحوال الشخصية التي اجتاحت عدد من الدول الإسلامية – نحو: المغرب ، الجزائر، الأردن ، اليمن ، إقليم كردستان العراق ، تشاد ، وأخيرا فى بلادنا - بمعزل عن النشاط الواسع والضغوط الدولية التي مورست خلال السنوات الأخيرة لفرض أنماط الحياة الغربية على مجتمعاتنا ، خاصة فيما يتعلق بقضايا المرأة أو كما يطلقون عليها قضية الجندر - أي النوع الاجتماعي - هذه الضغوط لم تمارس من قبل الأنظمة والحكومات الغربية فقط ، بل مورست أيضا وبشكل أكبر من قبل المنظمات الدولية والجمعيات النسائية العالمية والنخب العلمانية المحلية المرتبطة بأجندات خارجية.
بدأ الاهتمام بمفهوم الجندر بشكل موسع اعتبارا من مؤتمر القاهرة عام 1994م مؤتمر الصحة والسكان، حيث اهتمت جميع القطاعات المعنية بالتنمية في العالم بهذا المفهوم الذي تم تعريبه من وثيقة مؤتمر السكان بـ النوع الاجتماعي لدراسة العلاقة المتبادلة بين الرجل والمرأة في المجتمع.
ومنذ مؤتمر القاهرة وحتى وقتنا الحاضر تزايد استخدام مصطلح الجندر أو النوع الاجتماعي في جميع القطاعات لاسيما في الجامعات ووسائل الإعلام، وأصبح مفهوم النوع الاجتماعي ذا دلالة واضحة على المطالبة بإلغاء ما يسمى بـ"التمييز ضد المرأة ".وللاسف الشديد فإن لدينا فى بلادنا الحبيبة اليوم جامعات وكليات وبرامج دراسات عليا للماجستير والدكتوراه لما يسمى بدراسات الجندر ولا أدرى لماذا يسمح بها ؟؟ ولا كيف تمت الموافقة عليها؟ .
ومن هذا المنطلق وعلى جميع المستويات تزايدت الدعوة لما يعرف بتمكين المرأة داخل المجتمع.**
وسيعملون بكل جهدهم لإصدار حزمة من القوانين؛ بهدف تحقيق ما جاء في مقررات المؤتمرات الدولية بدءا من المؤتمر العالمي الأول للسكان المنعقد في "بوخارست" عام 1974م، و مرورا بـ"مؤتمر القاهرة" عام 1994م، و"مؤتمر بكين" 1995م ومؤتمر "بكين +5 " ،هذا بالإضافة للصكوك والمواثيق الدولية وتقارير المنظمات الحقوقية ومنها محاولاتهم المضنية في إصدار قانون يجرم كافة أنواع الختان بما فيها الختان الشرعي وأيضا ستكون هناك معركة قادمة لمحاولة إصدار قانون يجيز الإجهاض الآمن كحق من حقوق المرأة الإنجابية.
ويأتي في هذا السياق المؤتمر الذي نظمته المنظمة الفيدرالية لحقوق الإنسان بدعم من الأمم المتحدة في القاهرة مؤخرا والذي أُقيم تحت عنوان: "القضاء على التمييز ضد النساء في الدول العربية....." المساواة دون تحفظ" .
هذه التحركات والضغوط الخارجية صاحبها حراك سياسي داخلي من النخب العلمانية للمطالبة بتغيير قانون الأحوال الشخصية في محاولة للحد من تصاعد نفوذ التيارات الإسلامية ، فغني عن البيان أن المرأة تشغل حيزا كبيرا في تفكير النخب المتغربة في بلادنا، ويعدونها محورًا مهمًّا من محاور الصراع ضد القوى الإسلامية؛ لذلك فهم لا يكفون عن إثارة موضوع المرأة المسلمة في شتى المناسبات الممكنة، وبشتى الوسائل، بل ويستقوون بالخارج للضغط على الداخل لتنفيذ مطالبهم بشأن المرأة تحت مزاعم مختلفة وشعارات خادعة.
لكن الهدف الأساسي: هو إعادة الهندسة الاجتماعية للأسرة لفرض ما يسمى بقيم "الحداثة" و"العصرنة" على مجتمعاتنا.
ومن ثم كان التركيز هذه المرة على قانون الأحوال الشخصية باعتباره آخر ما تبقى من الشريعة الإسلامية بعد القانون الجنائي، ثم القانون التجاري، ثم القانون المدني، هذا إلى جانب التأثير الكبير الذي سيحدثه على النظام الاجتماعي.
ويفضح الأستاذ "محمد قطب" في كتابه مذاهب فكرية معاصرة، طرق العلمانيين في تمرير هذه القوانين ضاربا مثلا بقضية "تأخير سن الزواج" وهي إحدى المواد التي تم تعديلها في قانون الأحوال الشخصية الجديد. فيقول:"تبدأ وسائل الإعلام بمهاجمة الزواج المبكر وذكر مضارة! إن كلا من الزوجين يكون قليلا الخبرة بالجنس الآخر نتيجة عدم الاختلاط، ثم قليل الخبرة بالحياة لصغر السن وقلة التجربة، ثم قليل الخبرة بتربية الأولاد .. الذين يجيئون في أول عهد الزواج فتسوء تربيتهم ! لذلك يلزم تأخير سن الزواج ، مع إباحة الاختلاط حتى يتحقق التعارف بين الجنسين واكتساب الخبرة اللازمة للزواج، ويتأخر مجيء الأولاد حتى تزداد الخبرة فتحسن تربيتهم !
ثم يظل الحديث عن ضرورة الاختلاط؛ يلح علي الناس حتى يتكون:" رأي عام " موافق علي الاختلاط؛ بعد إذا كان معارضا له، ثم يظل الحديث يلح علي الناس حتى يتحمسوا له، ثم يظل الحديث يلح علي الناس حتى يبلغ لحماس للاختلاط أن يتهموا كل معارض له بالرجعية والتخلف والجمود والتأخر ويهددوه بأن عجلة التطور ستسحقه وتقضي عليه!
ثم يقال للمرأة: إن الزواج الباكر والإنجاب الكثير يفسد رشاقتها! ويقتل حيويتها ! ويمنعها من مشاركة الرجل في إدارة شؤون المجتمع ! وتظل الصحافة (ووسائل الإعلام الأخرى) تلح علي هذا الأمر؛ حتى تخرج المرأة من فطرتها وتنظر إلي الزواج: علي أنه قيد يعوقها! وإلي الإنجاب: علي أنه عدو يفسد جمالها ورشاقتها، وإلي البيت والانشغال به: علي أنه إهدار لطاقتها بل إهدار لكرامتها ! وبعد أن كانت - كما هو مركوز في فطرتها - تفرح بصيحة الطفل؛ لأنها تحقق لرسالتها وإثبات لأنوثتها المتمثلة في الاستعداد للحمل والإنجاب، صارت تمقت صيحة الطفل، وتكره البيت، وحتى إن تزوجت تستخدم موانع الحمل لتحافظ علي رشاقتها، ثم يظل تأثير الصحافة ووسائل الإعلام عليها حتى تري أن من حقها أن " تستمتع " بالحياة استمتاعا حرا دون أن يفرض علي استمتاعها قيد خلقي أو اجتماعي أو من أي نوع، فمن حقها أن تمارس الجنس في حدود الصداقة مع الرجل دون أن ينشأ عن ذلك بالضرورة زواج أو أسرة .. ومن حقها أن تؤخر الزواج حتى تشبع من الاستمتاع الحر .. ومن حقها أن تؤخر الإنجاب حتى تشبع من العمل خارج البيت، ومن الرشاقة في الحفلات وحلبات الرقص".
ويصبح ذلك كله من مقررات " الرأي العام" النسائي علي الأقل، بل النسائي والرجالي الذى له اهدافة المعروفة فى مساندة حرية المراة !!! ويصبح المعارض لذلك هو المجنون الأبله، وهو المتحجر علي أوضاع عفي الزمن عليها ولا يمكن أن تعود !
هذا هو السياق الذي سيتم من خلاله تعديل قانون الأحوال الشخصية في البلاد الاسلامية ضغوط دولية وحقوقية وتحركات في الداخل يصاحبها حملة إعلامية واسعة لتهيئة الرأي العام" . والله المستعان وعليه التكلان.


مقالات أخرى :

 تحرير المفاهيم في قضايا الجندر
ختان الإناث فى مؤتمرات الأمم المتحدة للمرأة

قانون الطفل المصري.. حلقة بسلسلة التغريب

اليوجينيا Eugenics

ملك الختان
الفقر والجوع القادم !!

سأكون كأبي ضمضم
حركة العصر الجديد

دعوة "سدوم"..تعيدها الأمم المتحدة

النظام العالمى الجديد وسياسات السيطرة على السكان

جميع الحقوق  محفوظة الإ للنشر الدعوي مع الإشارة للمصدر  موقع منظمة أم عطية 2009  اتصل بنا  info@umatia.org

المشرف العام على الموقع  د . ست البنات خالد  السودان - الخرطوم