بكين.. بعد خمس سنوات
مجاهد مليجي
في الفترة من 5 - 9
يونيو 2000م يشهد مقر الأمم المتحدة بنيويورك جلسة انعقاد خاصة
للجمعية العامة للمنظمة؛ لمناقشة قضايا المرأة بعد 5 سنوات من
إعلان بكين، ومتابعة تنفيذ التوصيات التي اتخذت فيه وأبدت
الجهات الدولية التي تناصر أجندة الأمم المتحدة قلقها، مما أسمته
"انتهاك حقوق المرأة والإصرار من جانب البعض على تهديد إنجازات
بكين"، مشيرة إلى دول مثل باكستان وأفغانستان والفاتيكان (!).
ولكن في الوقت ذاته أكدت أطراف عديدة خاصة من الجمعيات الأهلية
النسوية الغربية أن السنوات الخمس الماضية قد شهدت تضامنًا
نسائيًّا دوليًّا غير مسبوق، وإحساس بأهمية "تمكين النساء"،
وطفرة في نشاط الجمعيات الأهلية في الدفاع عن حقوق المرأة
والتوعية بالتحديات التي تواجهها.
التوجس من
المعارضة الدينية للبنود الشائكة لم يقتصر على الغرب، بل من
المؤسف أن أصواتًا من بلدان إسلامية خرجت للمشاركة بصفة شبه
رسمية في المنتديات المقامة في المؤتمر أبدت صراحة قلقها من
التيارات "المتشددة والتي مُنِيَت بهزيمة في 94/95 وتتكتل الآن
ضد التيار الليبرالي المعتدل"(!)، كما نشر في جريدة الأهرام
القاهرية منسوبًا إلى قيادات الوفد الأهلي ( شبه الرسمي ). يشارك
في المؤتمر وفود من 186 دولة ويسعى التكتل الغربي وأنصاره؛
لتجاوز الاعتراضات التي ثارت على وثيقة بكين. وقد حذَّر
تقـريـر رابطـة العالم الإسـلامي المقدم من
اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل إلى لجنة مركز المرأة
بوصفها اللجنة التحضيرية للدورة الاستثنائية للجمعية العامة
للأمم المتحدة، من غياب دور مؤثر وفاعل للنساء المسلمات
وللجمعيات الإسلامية والمؤسسات غير الحكومية والحكومية والمنظمات
الإسلامية الدولية في فعاليات هذا المؤتمر، والذي من المقرر أن
تتم خلاله مراجعة ما تم تطبيقه من توصيات مؤتمر بكين رقم (1)
الخاص بالمرأة. وأوضح التقرير المقرر طرحه في المؤتمر وتوزيعه
على جميع الوفود؛ لتوضيح وجهة نظر الدول الإسلامية في الوثيقة
التي تسعى الدول الغربية فرضها على دول العالم أن الوثيقة تتبنى
الدعوة لإباحة الإجهاض وتقنين الممارسات غير السوية في مجال
العلاقات بين الجنسين وبين أفراد الجنس الواحد تحت زعم الحرية
الجنسية، وغيرها من الأطروحات التي سبق ورفضها الأزهر الشريف
والكنيسة الشرقية والفاتيكان في مؤتمر الأمم المتحدة للسكان الذي
عقد في القاهرة ثم في بكين 1995م. وأشار التقرير إلى أن هذه
النية التي تسعى المنظمات الغربية فرضها على دول العالم قد ظهرت
بوضوح خلال الاجتماع التحضيري رقم (44) الذي عقد في فبراير
الماضي ونظمته الأمم المتحدة بعنوان (المرأة عام 2000)، وعقد
بمقر الأمم المتحدة بنيويورك، حيث تعهَّد رؤساء تلك المنظمات
بإنهاء أي اعتراضات دينية أو ثقافية على أطروحتهم الإباحية تحت
زعم دعم وضع المرأة. وحث التقرير على تكثيف الحضور الإسلامي
وتنسيق الجهود بين جميع المنظمات والهيئات الإسلامية العاملة على
الساحة والمشاركة في المؤتمر من أجل الإبقاء على تحفظات الدول
الإسلامية والكنيسة الكاثوليكية والشرقية بشأن محاولات هدم بناء
الأسرة وإباحة الإجهاض والشذوذ الجنسي، وغير ذلك من المفاهيم
التي تتعارض مع قيم وثقافة العالم الإسلامي. وقد أوضحت كاميليا
حلمي مديرة اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل أن "
التقرير البديل " الذي قدمته الرابطة يرفض إجمالاً: كل ما يدعو
إلى الحرية الجنسية والإباحية، وكل أنواع العلاقات الجنسية خارج
إطار الأسرة. وفي التقرير البديل تقوم الرؤية الإسلامية على أسس
عدة، أهمها " الإسناد الشرعي " للأفكار والتصورات، هذا الإسناد
هو الذي يؤكد خصوصية الأمة وإطارها المرجعي، حيث أن الوثيقة
المقترحة تركز على تقديم منظور الحق وتهمل تمامًا منظور الواجب،
وتكريس مفهوم المساواة المطلقة بين الرجال والنساء بمعنى التماثل
التام، وتهمل الفروق والاختلافات بين الجنسين، كما أنها تقتصر
على الخطاب العام، كالمرأة والصراع المسلح، أو المجالات المغرقة
في الفردية/ الجزئية، كالمرأة وحقوق الإنسان، وتتجاهل المجالات
الوسيطة، كالمرأة والأسرة، وتهمل عامل الدين كعامل فعَّال على
المستويين: النظري والعملي، فضلاً عن عدم مراعاة التوازن بين
المعيار الكمي والمعيار النوعي، وتركيزها الشديد على الأول،
وإهمالها للثاني، وعدم مراعاتها التباين الثقافي بين المجتمعات،
فتجاهلت تمامًا الاختلافات الحضارية والمنظورات القيمية لحضارات
العالم، وحاولت فرض نمط حضاري واحد، وعدم تقديم المرأة في مختلف
حالاتها الاجتماعية ومراحلها العمرية، والتركيز على نموذج المرأة
الشابة العاملة وتسويقه تحت عناوين برَّاقة " كالمساهمة في
التنمية"، مع إهمال المرأة المُسِنَّة، علاوة على أن الوثيقة
المقترحة يظهر فيها بوضوح الاختلال في الأوزان النسبية للمشكلات
الاجتماعية والصحية، المتمثل في إفراد مساحات أكبر وتركيز أعلى
على المشكلات التي تخص العالم الغربي المتقدم، مثل: ( الإيدز،
والصحة العقلية، والإجهاض) على حساب المشكلات التي تخص باقي شعوب
العالم مثل: ( الأمية، والحروب الأهلية وأثرها على المرأة، مثل
التهجير واللجوء واحتلال الأراضي). كما ترفض الرؤية الإسلامية ما
تُعِدُّه الوثيقة المقترحة " إنجازات " من خلال زيادة الاهتمام
بالصحة الإنجابية التي ربما تكون لها قراءة أخرى، وهي " الصحة
الجنسية "، وذلك بدلاً من أن تدعو الوثيقة إلى العفة وصيانة
الذات والارتقاء بالنفس ورغباتها. في حين تقبل الرؤية الإسلامية
قضية ربط العنف ضد المرأة بحقوق الإنسان، ولكن من على الأرضية
الإسلامية التي تعتبر المرجعية العليا لجموع المسلمين، وتؤكد أنه
لا يوجد جرائم في الإسلام تسمى "جرائم شرف" إنما هي مشكلة
اجتماعية يمكن معالجتها بالرجوع إلى الشريعة الإسلامية التي
تُسِنُّ عقوبات محددة - وواحدة للنساء وللرجال على السواء -
لاقتراف جرائم العرض، ينفذها ولي الأمر وليس الأفراد. كما تهتم
الرؤية الإسلامية بالنساء وتعتبرهن أكبر ضحايا الحروب والعنف
المسلح، إلا أنها ترفض تلك العلاقة الحتمية بين وضع المرأة كضحية
للعنف وبعدها عن مراكز صنع القرار، وتهيب بكل من يقدر على معاقبة
منتهكي حرمات النساء - أيًّا كان دينهن - على ألا يفلت هؤلاء
المجرمون من العقاب. وتعتبر الرؤية الإسلامية أن الذمة المالية
للمرأة المسلمة مستقلة استقلالاً تامًّا عن ذمة زوجها، أو أيٍّ
من أقاربها، ومع ذلك فهي ترفض التعريف المقدم للعمل باعتباره
العمل المدفوع الأجر فقط، وذلك أن للمرأة من الوظائف الاجتماعية
في الأسرة وفي المجتمع ما يفوق أهمية وظائفها الاقتصادية في
الدولة، كما تشدد الرؤية الإسلامية على أن أهم العقبات أمام وصول
النساء لموارد مالية، هو ذلك التفاوت الاقتصادي العالمي بين
مراكز النفوذ العالمي والمراكز الفقيرة المستغلة، فضلاً عن ربط
الرؤية الإسلامية بين تولي الوظائف والكفاءة، فالكفء أحق بالمنصب
أيًّا كان جنسه. وترفض اعتبار " تعميم المنظور الجنساني "
إنجازًا، وتشجع تقوية أدوات رصد واقع النساء بما يحسن من وضعهن.
كما أن تقرير الرابطة يؤكد على قبول الرؤية الإسلامية تحسين
القوانين بما يتفق وعقيدة الإسلام، كما ينبغي احترام تحفظات
الدول الموقِّعَة على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد
المرأة (السيداو cedaw)، وأن تخاطب الأمم المتحدة كل أمم العالم
بلغاته الست الأساسية، وأن تدعم عمل شبكة الإنترنت بهذه اللغات
الست جميعها ومنها اللغة العربية. ويبدي تقرير الرابطة رفضه بشدة
على اعتبار الوثيقة المقترحة "قلة تثقيف المراهقات جنسيًّا"، أو
اعتبار "الزواج المبكر" عقبة من العقبات، وإتاحة قدر من الحقوق
الخاصة بكل مجتمع، تبعًا لمنظومة ثقافته وقيمه فيما يتعلق بمفهوم
الطفلة الأنثى أهمية أن ينعم كل أطفال العالم (ذكورًا وإناثًا )
بالصحة والتعليم في ظل قيم مجتمعاتهم، فإنها ترفض كل ما يؤدي إلى
تفكيك الأسرة وإشاعة الفاحشة ونشر الجريمة، جرَّاء تعميم قيم
الحضارة الغربية، كما يطالب التقرير بتشديد العقوبات على مرتكبي
الجرائم الجنسية، خاصة إذا كانوا من الأقارب. وأوضح التقرير إن
القراءة الصحيحة لمبادئ حقوق الإنسان تقول: إن كان من حقك أن
تعتقد ما أرفض فإن من حقي أن أعتقد ما ترفض أو أرفض ما تعتقد،
وبغير هذا المفهوم فإن العلاقة تصبح قائمة على القهر والإذعان.
|