الأسرة المسلمـة

الأسرة في الإسلام والغرب
القاهرة - محمد مختار
يقول الله تعالى في كتابه العزيز(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءَ، وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالاْأَرْحَامَ، إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (النساء:1) .
والنبي صلي الله عليه وسلم يحث على الزواج ويرغب فيه ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فانه أغض للطرف و احفظ للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) رواه البخاري ومسلم. وكذلك فقد حبب النبي صلي الله عليه وسلم في الحياة الزوجية بقوله ( من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه، فليتق الله في الشطر الآخر ).
الأسرة هي البنيان الاجتماعي الأساسي في المجتمع. وعلى امتداد تاريخ البشر وباختلاف عقائدهم الدينية وألسنتهم وثقافتهم كانت الأسرة هي القاسم المشترك بين كل البشر على اختلافهم، فالزواج والأسرة هو الإطار الذي شرعه الله ليستمر النوع البشري وتتم به خلافة الله على الأرض، وآدم وحواء زوجان منذ اللحظة الأولي والقرآن الكريم يحدد ذلك بوضوح لا لبس فيه ،
وإذا كان الزواج يعني طبقاً لتعريف الإمام أبي زهرة أنه "عقد يفيد جل العشرة بين الرجل والمرأة بما يحقق ما يتقاضاه الطبع الإنساني وتعاونهما مدى الحياة، ويحد ما لكليهما من حقوق وما عليه من واجبات"، فإن الأسرة في الإسلام تبعاً لهذا المفهوم هي الوحدة الاجتماعية الأساسية في المجتمع الإسلامي التي تتأسس بها ومن خلالها علاقات تقوم على قيم بر الوالدين وصلة الرحم.
وعلى العكس من هذين المفهومين للزواج والأسرة في الإسلام، فإن جماعات حقوق الإنسان تروج داخل أروقة كل المؤتمرات الدولية التي تعقد لبحث المسائل المتعلقة بالمرأة والسكان مفاهيم أخري في محاولة لإضفاء الشرعية على علاقات الشواذ بين رجلين أو امرأتين، حيث دعت الوثائق الصادرة عن بعض المنظمات الدولية إلى إزالة كل أشكال التمييز بين هذه العلاقات القائمة على الشذوذ وبين الأسرة التقليدية القائمة على الزواج الطبيعي كما عرفته نواميس الكون.
وهذا التراجع لقيمة الأسرة في الثقافة الغربية يعود في الجزء الغالب منه إلى السعار الجنسي الذي أصاب مجتمعات الغرب، وهذا الصدى المبالغ فيه والشذوذ في العلاقات الجنسية الذي تعدى مسألة إقامة علاقات جنسية مثلية بين أبناء الجنس الواحد بل وحتى الاستخدام غير الإنساني أو الأخلاقي للأطفال في علاقات جنسية غير سوية، ليصل إلى معاشرة الحيوانات وإقحام الغريزة الجنسية في كل أشكال الفنون والأعلام. بل أن المجتمعات الغربية حاولت إضفاء مسحة قانونية زائفة على هذه العلاقات الشاذة من خلال تقنين الزنا والشذوذ، ففي سبتمبر عام 1957تخرج لجنة (ولفندون) التي شكلها مجلس النواب البريطاني لبحث هذه المسألة بتوصيات لإحداث تعديلات تشريعية حول أوضاع المثليين (أي أصحاب العلاقات الجنسية بين أبناء الجنس الواحد) وهو ما استجابت له بالفعل الحكومة البريطانية وتبعتها بعد ذلك الولايات المتحدة. ومنذ الستينات في القرن الماضي بدأت تتشكل في الغرب منظمات السحاقيات واللوطين، بل وتتعاون فيما بينها بدعوى تحقيق حرية الجنس الثالث.
وبالإضافة إلى هذا الهوس والشذوذ الجنسي، فإن حركة تحرير المرأة، التي نشأت في الستينات بالأساس بهدف الحصول على ضمانات قانونية للمرأة في مجال ظروف العمل والحقوق السياسية تحت شعار تحرير المرأة من سلطة الرجل، تحولت إلى استخدام مفهوم جديد من "الأنثوية" أو "النسوية" أو"النسوانية"Feminism ، وبدأت بعض الحركات النسائية في الغرب باستخدام هذا المفهوم للترويج لأفضلية المرأة واستبعاد ما اعتبره هذا الاتجاه "السلطة الأبوية المرفوضة"، باعتبار أن المجتمعات الإنسانية كانت في البداية أمومية ثم استولى عليها الرجال. بل أن الحركة النسوية تعلن في مرحلة تالية إمكانية استغناءها تماماً عن الرجال حتى في العلاقات الجنسية واعتبار نفسها الإطار النظري لممارسة السحاق بين المثليات من النساء.
والهدف الأساسي للحركة النسوية هو التخلص من عبء الأسرة بادعاء أن النظام الأسري ضد طبائع البشر، بل أن الغرب في سعيه لاستخدام هذه الورقة للضغط على الحكومات الأخرى اعتبرها ضمن قضايا حقوق الإنسان داعياً إلى رفع ما يسمى بالقيود والأعراف والممارسات التي تشكل تمييزاً ضد المرأة، بغض النظر عن القيم والمبادئ السائدة في المجتمعات الأخرى غير المجتمعات الغربية، وهي القيم والمبادئ التي لا تسمح بالشذوذ والسلوك الاجتماعي المنافي للطبيعة. أما الأخطر من كل ذلك فهو أن المنظمات الدولية بدأت في تبني هذه المفاهيم والمبادئ النسوانية وصياغتها في وثائق رسمية تضفي عليها هذه المنظمات الصفة القانونية والشرعية، لتحاول بعد ذلك أن تصنع منها قضية دولية.
بل أن الحركة النسوانية، في سعيها لاعادة تحديد المفاهيم المرتبطة بدور الرجل والمرأة داخلها، طالبت بمخاطبة الله عز وجل بضمير (هي) أو في أكثر مداخلات رواد هذه الحركة اعتدالا فإنها تدعو المؤمنين إلي مخاطبة ربهم بضميري التأنيث والتذكير على حد سواء وبقدر متساوٍ، ويعتبرون أن مخاطبة الخالق بضمير المذكر فقط هو إهانة للنساء وتحقير من شأنهن. وتبع ذلك أن المبشرات بمبادئ هذه الحركة من بني جلدتنا في المجتمعات العربية والإسلامية يطالبن بإعادة تفسير القرآن الكريم والسنة المشرفة من منظور أنثوي جديد، ويعتبرن أن الأصول التي يعود إليها المسلمون في كافة بقاع الأرض ومنذ أربعة عشر قرنا للإجابة على تساؤلاتهم المتصلة بالعقيدة أو المعاملات الشرعية، بما فيها ما يتصل بالأحوال الشخصية والعلاقة داخل الأسرة، قد تم وضعها من وجهة نظر ذكورية وأن القرآن الكريم -كتاب المسلمين الأعظم- تمت قراءته في السابق بلسان وفهم الرجال وحدهم !!
وبلغت الحركة النسوانية في مداها أن بدت وكأنها تنتقم من الكنيسة نفسها والتي فرضت على المرأة الغربية بصفة خاصة في الماضي قيوداً مبالغ فيها في معظمها وألغت تقريباً كل اعتبار لشخصيتها وجعلت منها باستمرار تابعاً للرجل المسيحي الغربي، سواء كان هذا الرجل أباها أو زوجها. ولا يفوت أحداً أن المرأة في الغرب حتى الآن عندما تتزوج تفقد اسم عائلتها فوراً لحساب عائلة زوجها، ويمكن في هذا الإطار أن نسوق الأمثلة بلا نهاية.
فالحركة النسوانية في الغرب، التي تنتقل بالتدريج على استحياء وبدون حياء أحياناً، لم تجعل من المرأة الغربية معولاً لهدم أسرتها فقط، وإنما لهدم مقومات مجتمعها من الأساس، وظهرت أشكال شاذة من التعايش بين امرأة وامرأة أو بين رجل ورجل وحتى بين أكثر من رجل وامرأة كما يتفق. وبالإضافة إلى الدول الاسكندنافية التي أضفت جميعها شرعية قانونية على مثل هذه الأشكال وسمحت لهؤلاء الشواذ بتبني الأطفال وتنشئتهم وسط هذا العبث الإنساني غير الأخلاقي، فإن بعض الولايات الأمريكية اعترفت بمثل هذه الأشكال الشاذة من الأسر وبدا أن جماعات الشواذ ومنظماتهم في باقي الولايات وكل دول الغرب الأوروبي المسيحي في طريقها إلى الاستحواذ على نفس الحقوق القانونية تقريباً. وبين زواج الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة ظهرت في ولاية "يوتا" طائفة دينية جديدة تتبع كنيسة "المورمن" يقوم أتباعها بتكوين أسر من المعددين تشمل على سبيل المثال زوجين لتسع زوجات أو تسع أزواج لزوجتين أو كيفما اتفق لمئات الأسر الشاذة التابعة للمورمن في هذه الولاية، أما في الحالات التي احتفظت بها الأسرة الغربية بالشكل التقليدي بين رجل وامرأة كما اعتادت البشرية منذ نشأتها فإن هذا الشكل اتخذ له شكلاً قانونياً جديداً يفرغ مؤسسة الزواج من مضمونها بشكل مدهش، فبدلاً من الزواج الكنسي أو حتى المدني الذي يفرض على طرفيه تبعات قانونية يضيق بها كلاهما، ظهر في الغرب شكل جديد من العلاقة بين الرجل والمرأة ضمن ما يسمى "بزواج العقود"، وهو ليس زواجاً من الأساس إلا أن طرفيه يلجآن إليه لتنظيم توزيع النفقات ومسئوليات الحياة اليومية بين طرفين غالباً ما يكونان قد تعاشرا لمدة سابقة معاشرة الأزواج ولكن دون أن يتم تسجيل هذه العلاقات على إنها علاقات زواج قد تؤدي عند الانفصال مثلاً إلى اقتسام ثروة الطرفين بالتساوي كما هو متبع عند الطلاق من زواج كنسي أو مدني. ومن الغريب مثلاً أن مثل هذه العقود قد تشتمل على بنود تحدد عدد مرات المعاشرة الجنسية وتصفها في وقاحة لا تخجل حتى من وصف الشذوذ بعينه بالإضافة إلى تفاصيل أخرى، كالمسئولية عن أعمال التنظيف والتسوق وتقاسم النفقات على سبيل المثال.
وما سبق يضاف إلى الفصام الذي لم يكن هناك مفر منه بين الزواج الديني الذي لا يزال سائداً بين المسيحيين المحافظين في الغرب، وبين الزواج المدني الذي يتم خارج الكنيسة ولا تعترف الأخيرة بالعلاقة الناشئة عنه أو حتى شرعية أبناءه كنسياً. وفيما يتعلق باختلال تقسيم الوظائف بين الرجل والمرأة داخل الأسرة في الغرب، إذا تشكلت أصلاً من رجل وامرأة، فإن تزايد الأدوار الاقتصادية التي تلعبها المرأة في المجتمعات الغربية قلبت رأساً على عقب توزيع المسئوليات داخل المنزل، وفيما مضى كان التوزيع التقليدي لهذه المسئوليات يقوم أساساً على إنفاق الزوج-الأب على أسرته نتيجة لهذا الدور وممارسة كافة الأنشطة الضرورية خارج المنزل، فيما كان على الزوجة-الأم دائماً أن تتولى تنشئة الأطفال وتربيتهم والعناية بشئون المنزل. ولكن ما تكرر حدوثه خلال العقود الماضية من القرن الماضي هو أن الرجل - والمرأة كذلك - لم يعد واثقاً من مصيره في العمل أو احتفاظه بنفس وظيفته فضلاً عن الترقي فيها، وفي حالات عديدة كان يفقد عمله لأسباب متعددة، وكان أصحاب الأعمال يفضلون في بعض الأوقات استبدال الموظف - الرجل بموظفة - أنثى تطلب أجراً أقل عن نفس الوظيفة وغير مزعجة فيما يتعلق بالمطالبة بترفيع مكانتهم الوظيفية. وعلى الرغم من أن المرأة كانت هي أيضاً ضحية لمثل هذه التقلبات الاقتصادية، إلا أن توظيف النساء الغربيات الذي لم ينقطع في أعمال بقطاعات السياحة والترفيه والإعلان جعلت المرأة قادرة غالباً على كسب عيشها بصورة قد تكون أكثر استمراراً من الرجل الغربي، وبصفة عامة فإنه مع الثورة الصناعية وخروج المرأة الغربية للعمل وتخليها الطوعي أو القسري عن مملكتها داخل بيتها، فقد أدى ذلك كله تدريجياً إلى تفكك الأسرة الغربية واختلاط العلاقات داخل الأسرة الغربية من الناحية المالية والمعنوية، بعد أن تولت المرأة وظيفة الإنفاق على الرجل والأطفال أيضاً في بعض الحالات. وتبع ذلك سقوط للمعايير الأخلاقية التقليدية المعروفة مسبقاً داخل كل أسرة، ولم يعد للزوج الغربي حتى حق الاعتراض على السلوك الجنسي لزوجته، والتي أصبح في مقدورها ليس فقط عصيان زوجها في هذه الناحية، بل أيضاً اعتادت على الغياب خارج المنزل وتكوين صداقات وعلاقات حميمة مع رجال آخرين بخلاف زوجها، بل واستقبال أصدقاءها ومعاشرتهم جنسياً داخل منزل الأسرة، وكذلك الزوج - الأب والأبناء، وهكذا!
ولم تتوقف المعايير داخل الأسرة الغربية عن التغير والتبدل المستمرين، بل أن فكرة الأسرة نفسها كمؤسسة اجتماعية يقوم عليها المجتمع السوي قد أخذت في التراجع وفي الاتجاه نحو الانقراض في كثير من المجتمعات الغربية وباتت وكأنها تنتمي للتاريخ. ففرنسا، علي سبيل المثال، التي كانت تعتبر في فترات سابقة من المجتمعات التي تعلي من قيمة الترابط الأسري مقارنة بالولايات المتحدة ودول شمال أوربا، أصبحت الآن تحسب ضمن الدول الأوروبية التي أصبحت عادة الزواج فيها أمراً نادراً، بل وتفوقت في ذلك على فنلندة والنرويج والسويد. فحالات الولادة دون زواج بها في ازدياد مستمر حيث بلغت 40% من مجمل المواليد في عام 1997م، مقارنة بـ 20% في عام 1985م، هذا حسب التقرير السنوي للمعهد القومي للدراسات الديموغرافية في باريس.
فقد أكد المعهد في ذلك التقرير أن الزواج أصبح عادة روتينية أقلع عنها كثيرون، ولاحظ أن أعداد المطلقين قد بدأت في تزيد بمعدلات كبيرة منذ عام 1995، حيث يوجد زوجان مطلقان من بين كل 10 أزواج، وأن أعداد الزوجات من ربات البيوت قد انخفضت من 3 ملايين إلى 2.4 مليون بين عامي 90 - 1999. وأوضح التقرير انتشار ظاهرة خطيرة وهي المعاشرة دون زواج شرعي، حيث وجد أن 30% من جملة البالغين في سنوات التسعينيات يعاشرون بعضهم معاشرة زوجية دون عقد قران. وأن من بين 29.6 مليون شخص نجد 24.8 مليوناً منهم متزوجون شرعاً ، و4.8 ليسوا كذلك. كما وجد أن النساء حتى سن 26 سنة والرجال حتى سن 28 سنة يقيمون علاقات معاشرة دون زواج شرعي. لهذا، وحسب التقرير السنوي للمعهد، فإن الأشخاص البالغين المعاصرين يعتبرون أن المعاشرة دون زواج شرعي حق هي الظاهرة الأكثر استمرارية، حيث يوجد بين كل ستة أسر زوجان يعاشران بعضهما معاشرة غير شرعية. كما لاحظ التقرير النقصان الشديد في حالات الزواج الشرعي عندما وجدها لا تتعدى الـ 280.000 حالة في العام الحالي مقارنة بـ 417.000 حالة زواج في عام 1972. هذا بالإضافة إلى ارتفاع ظاهرة العنوسة، حيث وجد أن 3 من بين كل 6 نساء من مواليد عام 1965، لم يتزوجن بعد. وأدت ظاهرة المعاشرة دون زواج شرعي إلى زيادة أعداد الأطفال الذين يولدون ولا يعرف لهم آباء إلى ما يقارب 300.000 طفل، أي أنه من بين كل 4 أطفال يولد 3 أطفال دون زواج شرعي. كما أوضح التقرير أن ربع حالات الزواج تنتهي بالطلاق، وهذه الظاهرة أدت بدورها إلى وجود أعداد كبيرة من العائلات التي يعولها أحد الوالدين، وأن 10% من أطفال فرنسا يعيشون مع جدهم أو جدتهم. وذكر التقرير أن الرجال يتزوجون سريعاً بعد الطلاق، وأن الزيجات الثانية للمطلقين والأرامل قد تضاعفت منذ عام 1970 وحتى الآن. وفي المجمل وجد أنه من بين 7.8 مليون حالة زواج توجد 660.000 أسرة فقط متكاملة وتعيش عيشة مستقرة، مما يؤكد انتشار ظاهرة المعاشرة دون زواج شرعي بل وتضاعفها في عام 1999م، الشيء الذي يثير قلق المعهد.
وقد أجرى المعهد دراسة إحصائية للتغييرات التي طرأت على أعداد السكان والهجرة، الذين كان لهما كبير الأثر في تغيير المجتمع الفرنسي. وأول شيء لحظته الدراسة هو زيادة عدد السكان الذين أصبح عددهم 59 مليون نسمة، أي بزيادة قدرها 239.000 شخص. كما شهدت نسبة المواليد زيادة طفيفة في عام 1998 تقدر بـ 1.9% مقارنة بعام 1997. وبالمقابل شهدت أعداد الوفيات زيادة تقدر بـ 95%. ولم يتجاوز معدل التكاثر الطبيعي 200.000 شخص في عام 1998م، وأوضحت الدراسة أن أعداد المهاجرين إلى فرنسا قد ارتفعت إلى 40.000 مهاجر في عام 1998، ومثل ذلك العدد كان في عامي 95 - 97. وخلصت الدراسة إلى متوسط عمر الفرد قد ارتفع في فرنسا، حيث كان 82.2 سنة بالنسبة للمرأة و74.6 سنة بالنسبة للرجل، ولكن منذ عام 1990 زاد متوسط عمر الرجل بنحو 1.8 سنة ومتوسط عمر المرأة بحوالي 1.3 سنة، ليصبح الفرنسيون من أكثر الشعوب المعمرة في أوروبا، وليبلغ متوسط أعمارهم أعلى مستوى فيها بالإضافة إلى السويدين.
ولم يكن غريباً وسط كل هذا الركام أن تتزايد حوادث القتل والعنف داخل هذه الأشكال الشائعة من الأسر في الغرب، فالولايات المتحدة الأمريكية تشهد كل يوم مقتل عشر زوجات، إما بيد الزوج نفسه أو على يد صديق للزوجة أو بسببه، ولهذا أنشأت الولايات المتحدة الأمريكية 14 ألف ملجأ آمن للزوجات الهاربات من عنف أزواجهن أو الناجيات منه بأطفالهن. أما روسيا، التي اتجهت غرباً بعد انهيار نظامها الشيوعي، فتشكل جرائم قتل الزوجات فيها نصف عدد جرائم القتل التي ترتكب في كل سنة، ويكون الجاني غالباً في هذه الجرائم هو الزوج نفسه. وفي كندا فقد أنشأت السلطات 400 ملجأ آمن للزوجات اللاتي يتعرضن للعنف من قبل أزواجهن بعد أن يطلبن الطلاق منهم أو يعصين أوامرهم. وفي ألمانيا يوجد 325 ملجأ لنفس الغرض، كما يوجد 300 في بريطانيا، و270 في استراليا، و53 في نيوزيلندا، و40 في هولندا، و5 في اليابان وملجأ واحد من هذا النوع في تونس!
وليس من المستغرب أن يصل التردي بمؤسسة الأسرة في الغرب إلي هذا الحد، وذلك في ضوء فهم أصول الحضارة الغربية المادية الحالية. فالثقافة اليهودية - المسيحية التي تقوم عليها هذه الحضارة، بجانب أصولها الرومانية والإغريقية، اعتبرت المرأة دائما من متاع الرجل ومملوكة له أو تابعة في أفضل أحوالها. وحتي عندما تمردت هذه الثقافة على أصولها الدينية وأسست علمانيتها الحاضرة، فإن رموز هذه العلمانية والذين وضعوا مبادئ الفكر والسياسة الأوربية في القرنين الأخيرين عاشوا حياة أسرية شائهة أو شاذة في معظم الأحيان، فهيجل ضم لأسرته ابناً غير شرعي أنجبه من علاقة آثمة مع صديقة له كان يزني بها، فدمر هذا الابن سمعة أسرة أبيه تماما بسلوكه الشاذ وفضائحه. وماركس كانت له قصة مشابهة، ولقي ابنه غير الشرعي مصرعه في العاصمة البريطانية لندن في ظروف غامضة. أما لينين فقد ضرب عرض الحائط بكل التقاليد الأسرية والسلوك القويم المنتظر من رب أسرة يتولي في نفس الوقت منصبا سياسيا رفيعا، وذلك عندما ضم إلي أسرته عشيقته السويسرية التي أسكنها نفس شقته مع زوجته " كروبسكايا" التي لم تكن تقل عن زوجها غرابة في السلوك، حتى أنه وبعد أن انتقل لينين للاقامة في الكرملين، بعد انتصار البلاشفة، رافقت نفس العشيقة لينين وكروبسكايا - الزوج والزوجة - إلي الكرملين وشاركتهما حياتهما الأسرية -إن صح التعبير - والسياسية تحت الأضواء.
ولا يفوتنا في هذا الصدد أن نشير إلي أن إقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة ما يسمى باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة في عام 1979، وهي الاتفاقية التي تدعو إلى المساواة بصورة شاملة وفي جميع المجالات بالحقوق السياسية والاقتصادية والثقافية والمدنية وبما يصل إلى درجة التماثل بين الرجل والمرأة ورفض فكرة أن هناك تمايزاً للخصائص أو الوظائف بين الجانبين، كما تطالب هذه الاتفاقية الحكومات الموقعة عليها بالعمل على تعديل الأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة، وتصف الأمومة على أنها وظيفة يمكن لأي فرد أن يقوم بها وفقاً لرغبته واستعداده الاجتماعي، وليس من اللازم أن يقتصر هذا الدور على المرأة دون الرجل. وعلى الرغم من تحفظ الدول الإسلامية على البنود (2 و7 و9 و6) من هذه الاتفاقية التي اعتبرت ملزمة للدول الموقعة عليها، إلا أن ذلك لم يمنع من أن تشهد القاهرة مدينة الأزهر انعقاد المؤتمر الدولي للسكان والتنمية عام 1994، الذي ناقشت جلساته سبل تعميم ثقافة الخصوصية الجنسية، وإباحة الممارسات الشخصية في هذا الصدد للرجل والمرأة على حد سواء، وإتاحة المعلومات الجنسية للمراهقين وعدم انتهاك خصوصيتهم من قبل الأسر، وإلغاء الممارسات القانونية التي تحد من ممارسة الأفراد لحريتهم الجنسية باعتبار أن مسألتي الجنس والإنجاب ضمن الحريات الشخصية للمواطنين.
وبعد مؤتمر القاهرة بعام واحد تشهد العاصمة الصينية بكين انعقاد المؤتمر العالمي للمرأة بمشاركة 36 ألفاً من مختلف أنحاء العالم ضمن وفود رسمية وشعبية. وبالتوازي مع مؤتمر بكين، انعقد مؤتمر آخر للهيئات التطوعية غير الحكومية في مدينة "هوايرو" على بعد 40 كيلو متراً من العاصمة الصينية، تناول المشاركون فيه بشكل رئيسي القضايا المتعلقة بمؤسسة الأسرة كأحد أشكال التنظيم الاجتماعي، من خلال مناقشة قضايا الجنس والإجهاض والميراث والزنا والشذوذ الجنسي. وخرج هؤلاء بإعلان الحقوق الصحية والجنسية ليؤكد وجهة نظرهم بإقرار الشذوذ، وحق المرأة والرجل في اختيار أسلوب الإنجاب الملائم، واعتبار أن رعاية الآباء لأبنائهم والاهتمام بهم مظهر للتخلف وعائق في طريق تقدم المرأة وحصولها على حقوق مساوية لحقوق الرجل. واعتبرت وثائق المؤتمر أن عمل المرأة داخل المنزل، بما في ذلك رعاية شئون الأسرة، استغلال لها ونوع من البطالة، كما شاع في وثائق المؤتمر استخدام لفظ "النوع "Gender لتتضمن أن الإنسان يمكن أن يكون ذكراً أو أنثى أو مخنثاً أو لوطياً أو سحاقية، واعتبر المؤتمر أن الأخذ بتوصياته ضروري لازدهار الديمقراطية وترويج المفاهيم المرتبطة بها، وطالب الحكومات بسن القوانين والتشريعات أو تعديلها للسماح بتنفيذ هذه المطالب أو إقرار المطالبة بها.
ولم يتوقف الغرب عن هجومه ضد الأسرة المسلمة، فالغرب يعتبر أن هذه الأسرة، وما تبديه من تماسك غير مفهوم بالنسبة له في ضوء الضعف السياسي والاقتصادي الذي يعتري الدول الإسلامية، هذا التماسك هو الذي يقف كحجر عثرة في وجه ما يهدف إليه من استيعاب للعالم الإسلامي وفرض قيم العولمة الجديدة عليه. وهذا ما دفع الغرب ليس فقط لشن قصف إعلامي لا يهدأ ضد قيم الأسرة المسلمة، ولكن أيضاً لاستخدام لافتات حقوق الإنسان والمرأة بل البحث العلمي في بعض الأوقات لتحطيم البنى الثقافية التي تتأسس عليها الأسرة المسلمة أو على الأقل التهوين من شأنها والتشكيك فيها. وتركز هذه الحملات تقليدياً على قضايا مثل الطلاق وتعدد الزوجات، بل وتدعي بعض الباحثات الغربيات اللائي تخصصن في البحث حول الأسرة والمرأة المسلمة أن آية تعدد الزوجات تتعارض بوضوح ظاهر مع الحديث النبوي الذي جاء فيه "النساء شقائق الرجال"، ويعتبرن دور الأسرة أو ولي الأمر في اختيار الزوج للفتاة المسلمة بمثابة تدخل في حرية المرأة المسلمة وتقييد لها، بل أن كاتبة شيوعية هي لويزا شايدولينا تكتب في حقبة الاتحاد السوفيتي ?لسابق عن أن المرأة المسلمة ضحية للمعتقدات الدينية والإيمان الأعمى لهذه المعتقدات كما تقول، وأن الشريعة الإسلامية تجعل من الطفل أحد الممتلكات الشخصية للأب وحده لأن الزوج المسلم إذا طلق زوجته فإن الأخيرة لا تستطيع ترك بيت الزوجية بدون أن تسلم أبناءها لعائلة الزوج كما تدعي.
ولم تقف الحرب المنظمة ضد الأسرة المسلمة عند هذا الحد، بل أن داهية الولايات المتحدة الأمريكية هنري كيسنجر، عندما كان مستشاراً لشئون الأمن القومي في إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون، أصدر وثيقة تحت تصنيف (Nssm - 2000) بعنوان (تأثيرات التزايد السكاني في العالم على أمن الولايات المتحدة ومصالحها الحيوية فيما وراء البحار). وطالبت هذه الوثيقة بفرض سياسات تنظيم الأسرة على ثلاث عشرة من دول العالم الثالث، من بينها 11 دولة إسلامية، والعمل على محاولة تغيير أنماط الأسر التقليدية التي توجد في هذه الدول والتي تقوم على أساس تقسيم العمل بين الزوج - الأب والزوجة - الأم داخل مؤسسة الأسرة في هذه المجتمعات.
فالغرب، الذي يدرك الهوة السحيقة التي وقع فيها بعد أن أطاح بركائز مؤسسة الأسرة تحت ضغط من أمراضه الاجتماعية وحركات التفسخ الخلقي التي تتخفى وراء أقنعة حقوق الإنسان، أصبح يدرك الآن أن تماسك الأسرة المسلمة هو السلاح الأخطر الذي تتمسك به المجتمعات الإسلامية في الحرب التي افترضها الغرب نفسه بين حضارته وحضارة الإسلام. وهو لم يتوقف عن محاولة حرمان المجتمعات الإسلامية من هذا السلاح الذي تتملكه بدعاوى حقوق الإنسان والمرأة كجزء من طاحونة العولمة التي تدور رحاها لطحن عظام المسلمين وتهميش ثقافتهم كل يوم !!
 

¼¸،‌ظG

 


إصدارة جديدة

 ختان الإناث الشرعي  رؤية طبية  

المؤلف:د ست البنات خالد

 

عرض الكتاب»

 

جميع الحقوق  محفوظة الإ للنشر الدعوي مع الإشارة للمصدر  موقع منظمة أم عطية 2003  اتصل بنا  info@umatia.org

المشرف العام على الموقع  د . ست البنات خالد  السودان - الخرطوم