|
تحرير المفاهيم في قضايا الجندر
علي
عليوة
الصحة الإنجابية والنوع الاجتماعي (الجندر) والتربية السكانية
مفاهيم ومصطلحات أثارت جدلاً واسع
داخل مؤتمرات المرأة التي ترعاها الأمم المتحدة، وكانت سببًا في
معارك كلامية وخلافات حادة حول مدلولاتها بين المنظمات الإباحية
الغربية وبين الوفود النسائية الإسلامية التي شاركت في تلك
المؤتمرات الذي كان آخرها مؤتمر نيويورك بكين.
المنظمات النسوية الغربية التي تتبنى النهج العلماني الإباحي
أرادت فرض رؤيتها الخاصة لهذه المفاهيم والتي تدعو إلى توفير
وسائل السلامة الصحية للممارسات الجنسية خارج نطاق الزواج وطرح
أنماط جديدة للأسرة لا تقوم على العلاقة المشروعة بين الرجل
والمرأة ورفعت شعار التربية السكانية الذي يهدف أساساً إلى تحديد
النسل؛ لتقليل عدد السكان في البلاد النامية.
التحرير الإسلامي لهذه المفاهيم والمصطلحات المختلف عليها كان
محور المناقشات في الندوة الدولية التي عقدت بالمركز الدولي
للبحوث والدراسات السكانية بجامعة الأزهر والمنظمة الإسلامية
للتربية والعلوم والثقافة (الأيسيكو) وصندوق السكان بالأمم
المتحدة.
وضع النقاط على الحروف
الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر وضع النقاط على الحروف
بالنسبة لمصطلح تنظيم النسل وحق الإجهاض فأكد أن تنظيم النسل
مسموح به إذا كان بالرضا والتشاور بين الزوجين وفقاً لظروفهما
وإمكانياتهما، أما فرض قانون من جانب الدولة لإلزام الناس بتحديد
النسل فهذا لا يجوز شرعاً، كما أن الإجهاض يكون حراماً إذا تم في
غير ضرورة يحددها الأطباء العدول، وكذلك تعقيم الرجال والنساء
بغرض عدم الإنجاب حرام أيضاً.
وتعرض الدكتور أحمد عمر هاشم -رئيس جامعة الأزهر- إلى تحديد
مفهوم مصطلح الصحة الإنجابية وحدد له شروطًا بأن يكون منضبطاً
بقيم وتعاليم الإسلام، ويهدف إلى الحفاظ على صحة الأب والأم
والأبناء وفي إطار العلاقة المشروعة بين الرجل والمرأة، وبذلك
أعلن الرفض ضمنيًّا لمفهوم الصحة الإنجابية الذي تروج له
المنظمات النسوية الإباحية العربية والذي يقصد به توفير وسائل
الأمان الطبي للعلاقات غير المشروعة بين النساء والرجال والأنماط
والأسرة غير المتعارف عليها.
سن الزواج.. بين التقديم والتأخير
ومن جانبه تصدى الدكتور محمد هيثم الخياط -الخبير بمنظمة
الصحة العالمية- لما طالبت به إحدى المشاركات بمنع الزواج المبكر
بحجة الحفاظ على صحة الفتيات، وواضح أن هذا المطلب تلح عليه
المنظمات النسوية الغربية، ويريدون فرضه علينا، وهذا المطلب ينسى
حقيقة مهمة وهي أن الغريزة موجودة لدى الفتيات والفتيان بمجرد
الوصول لسن النضج، وتأخير سن الزواج وإغلاق باب الإشباع الحلال
لتلك الغريزية يعدّ بابًا من أبواب الشر، ومن يعارضون الزواج
المبكر يعرضون الشباب للعلاقات غير السوية ومخاطر الإصابة بطاعون
العصر وهو مرض الإيدز، والأوضاع في الغرب خير شاهد على صحة هذه
الحقيقة.
ويضيف الدكتور محمد هيثم الخياط أن السياسات السكانية ينبغي ألا
تركز على تقليل عدد السكان، فكثرة النسل قد تكون غير مرغوب فيها
في وقت، ومطلوبة بشدة في وقت آخر، وقد تكون هذه الزيادة مطلبًا
ملحًا للبلدان التي تعاني من قلة عدد السكان كما في منطقة الخليج
على سبيل المثال، ويخطئ من يقول: إن زيادة السكان تؤثر على
عمليات النخبة الاقتصادية؛ لأنهم ينسون أن الله -سبحانه وتعالى-
حين خلق الأرض قدر فيها أقواتها، وتحديد النسل بالقانون فشل في
كل من الهند والصين.
مطلوب مقرر فقهي لطلاب الطب
وقال الدكتور محمد هيثم الخياط: إن المنظمة تتبنى برنامجًا
للتثقيف الصحي في قضايا الإنجاب وغيرها ينبثق عن المنظور
الإسلامي، وما ورد في كتاب الله -تعالى- وسنة رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- انطلاقا من أن الدين هو المحور الرئيسي للمسلمين
خاصة في منطقة شرق المتوسط إلى جانب أن الإسلام يتضمن نظاماً
متكاملاً للوقاية من الأمراض وهناك ضرورة ملحة لتدريس مقرر فقهي
يوضح الحلال والحرام على طلاب كليات الطب للتعرف على موقف
الإسلام من الممارسات الطبية المختلفة التي تواجه الطبيب في
حياته العملية.
وقد أرجعت الدكتورة عزيزة منصور -المدرسة بجامعة الأزهر- السبب
في عدم القدرة على تحمل زيادة السكان إلى فشل برامج التنمية التي
طبقت في كثير من بلدان العالم الإسلامي في الاستغلال الأمثل
للموارد والطاقات المادية والبشرية الهائلة التي تتمتع بها هذه
الدول، وهذا الفشل يعود إلى تبني برامج للتنمية مستوردة من الشرق
تارة ومن الغرب تارة أخرى، وهي برامج لم تتفاعل معها الجماهير
المسلمة؛ لأنها بعيدة عن منهج الإسلام.
وأكدت أن زيادة السكان يمكن أن تكون مفيدة إذا تم وضع برامج
للتنمية الاقتصادية والاجتماعية منبثقة من التصور الإسلامي الذي
يقوم على إعلان وتفعيل قيمة العمل وطلب العمل وإعمار الأرض
وتفعيل الدور التنموي للزكاة وتحقيق العدل الاجتماعي والتشجيع
على الادخار لتمويل المشروعات الإنتاجية وترشيد الاستهلاك.
قيم الاستعفاف
ونبهت "بحريةُ عدوان" الخبيرة بإدارة التربية بالمنظمة
الإسلامية العربية والعلوم والثقافة (الأيسيكو) إلى الفروق
الجوهرية بين المفاهيم والمصطلحات الغربية ومدلولاتها من وجهة
النظر الإسلامية فالجندر (النوع الاجتماعي) له في الإسلام مدلول
خاص يقصد به التفاعل في الأدوار الاجتماعية بين كل من الرجل
والمرأة في إطار المساواة التي أقرها الإسلام بين كل البشر، وأنه
لا تفاضل بين الناس أو بين الرجل والمرأة سوى بالتقوى وقيام كل
منهما بواجباته الدينية والإنسانية وفقاً للدور المنوط به والذي
تيسره له تركيبته وصفاته البيولوجية والفسيولوجية.
ويرتبط مفهوم الصحة الإنجابية في المنظور الإسلامي بقيم
الاستعفاف والبعد عن المحرمات، وتتطلب هذه الصحة العمل من أجل
تقليل نسبة وفيات الأمهات المرتفعة في بلدان العالم الإسلامي
وكذلك وفيات الأطفال وذلك عن طريق رسم السياسات وتوفير
المستشفيات والدعم الطبي لتحقيق ذلك الهدف.
إدماج المفاهيم.. اختلاف المنظور
وطُرِحَ نموذج لبرنامج في التربية السكانية من منظور إسلامي
قامت الأيسيكو بإعداده بهدف إدماج المفاهيم السكانية في البرامج
التعليمية داخل العالم الإسلامي من أجل تحقيق هدفين: هما إظهار
وجهة نطر الإسلام في القضايا السكانية، ونشر المعلومات الصحية
بين الأجيال الناشئة؛ حتى تتمكن من ممارسة سلوك صحيح تجاه نفسها
وتجاه مجتمعها يتفق وما ورد في تحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية
الخمسة في حفظ النفس والعقل والدين والنسل والمال.
وينطلق النموذج من أن الإسلام يحرص على الحفاظ على الصحة
الإنجابية والجنسية وأن يوضح آداب البلوغ وأحكامه وجعل هذا
التعليم فرضًا على الأبناء والبنات وأولياء أمورهم، وطالب غير
المتزوجين بالاستعفاف؛ حتى يأتي الوقت الذي يتاح لهم الزواج الذي
يعتبر الدعامة الأساسية للنظام الاجتماعي الإسلامي الذي يحمى
المجتمع من التفكك.
التعليم والإعلام.. مفاتيح التغيير
وفي ختام الندوة طالب المشاركون فيها بمراعاة البعد
الاجتماعي من المنظور الإسلامي عند وضع المقررات الدراسية الخاصة
بالصحة الإنجابية أو التربية السكانية وإعداد برامج إعلامية تهدف
إلى نشر المفاهيم الإسلامية عن حسن المعاشرة بين الزوجين وأن
تكون أساس هذه المعاشرة المودة والرحمة والحرص على المرأة
وإكرامها اتباعا لهدي النبي صلى الله عليه وسلم.
وأوصت بالحث على زيادة نسبة تعليم البنات في المناطق الريفية
والنسائية وإعداد نظم معلومات سكانية وافية حسب النوع الاجتماعي
وتحليلها ونشرها وتيسير تداولها لاستخدامها في ترشيد السياسات
السكانية والصحة الإنجابية في بلدان العالم الإسلامي، والتأكيد
على التربية الإسلامية باعتبارها مطلبًا ضروريًّا وحياتيًّا
وتعزيز دور الأسرة في التنشئة الإسلامية للأبناء والعمل على
تنقية البرامج الإعلامية من كل ما يفسد السلوكيات، ويؤثر بالسلب
على الأسرة المسلمة، وتوعية الأبناء ذكوراً وإناثًا بأحكام
البلوغ وغيرها من جوانب الثقافة الجنسية في الإسلام التي قد توفر
لهم الحماية من الانحراف، والتأكيد على أن الرجل والمرأة
متساويان، ولكن لكل منهما دوره وخصوصياته.
|
|
 |
إصدارة
جديدة
ختان
الإناث الشرعي رؤية طبية
المؤلف:د ست البنات
خالد
عرض الكتاب» |
|
|