الطفل المسلم
فلذات أكبادنا
أبو
عبد الله زكريا الخطيب
الحمد لله الخالق الوهاب .. وهب لنا نعما كثيرة لا تحصي .. ومن
هذه النعم نعمة الذرية التي تستوجب الشكر والعناية بها .. وقياما
بواجب النصح كانت هذه المقالات في تربية أبنائنا
لأن أبناءنا هم حرثنا في هذه الدنيا , ونحن المسؤولون أمام الله
عز وجل عن تربيتهم وتهيئة سبل الصلاح لهم ,راجين من الله أن
يكونوا الولد الصالح الذي ينفعنا بعد مماتنا كما قال النبي ? :
'' إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ
ثَلاثَةٍ إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ
بِهِ أوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ,,.
ولأننا يجب أن نعيش واقعنا في بلاد الغرب من جهة الدعوة وما
تمليه علينا, ومن جهة أخرى مواجهة أخطار الواقع الغربي بعلم ,
فالأخطار كثيرة وخطيرة يجب ألا نتهاون في مواجهتها, ففي الغرب
أبواب الرذيلة مفتحة , والإباحية منتشرة , ومحاربة الدين بوسائل
غير معلنة , من أجل هذا وغيره - مما سنجده في هذه المقالات - كان
واجبا على كل طالب علم يستطيع أن يقدم نصحا لإخوانه من الأباء
والمربين والعلماء أن يفعل عسى الله أن يهيئ لنا من أمرنا رشدا .
ونحن نكتب هذه المقالات نعلم يقينا أنه شرطا في إصلاح واقع معينا
أن يلم بهذا الواقع المشخص له, وحيث أننا نعيش هذا الواقع فكان
واجبا علينا أكثر من غيرنا أن نبحثه - مستعينين بالله - وأن نشخص
داءنا , ونلتمس دواءنا .
فمن الخطأ أن يعالج قضايانا من ينقصه فقه الواقع الذي هو نصف
الفتوى , من أجل ذلك كانت هذه المقالات التي نقدمها لكل أب ..
ولكل أم .. ولكل مربي
أهمية تربية فلذات أكبادنا :
هذه المقالات من الأهمية بمكان لأنها تتعلق بتربية فلذات أكبادنا
, ووقايتهم من الأخطار الفتاكة , فإن قلتُ إنها أخطر من الشلل
والجذام فقد صدقتُ , لأن أخطاء التربية قد تؤدي إلى هلاك من
استأمننا الله عليهم في الدنيا, وقد تؤدي هذه الأخطاء إلى غضب
الله ثم الهاوية في الآخرة . عياذا بك اللهم . كيف لا وهم أمانة
في أعناقنا , ولعظم هذه الأمانة أوصانا الله في أولادنا وحذرنا
من عقابه الأليم إذا ضيعناهم ,فقال -? -:
{ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ .. }
قال السعدي في تفسيرها :
أي: أولادكم - يا معشر الوالدين - عندكم ودائع قد وصاكم الله
عليهم، لتقوموا بمصالحهم الدينية والدنيوية. فتعلمونهم
وتؤدبونهم، وتكفونهم عن المفاسد، وتأمرونهم بطاعة الله، وملازمة
التقوى على الدوام " .
وحذرنا - ? - من مصير التفريط في الأهل والولد فقال :
[ يأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ
وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ
عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ
مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ( ) ].
قال الإمام الشوكاني :
" قوله- تعالى -: { يأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ قُواْ
أَنفُسَكُمْ } بفعل ما أمركم به، وترك ما نهاكم عنه .ة{
وَأَهْلِيكُمْ } بأمرهم بطاعة الله، ونهيهم عن معاصيه .
{ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } أي: ناراً عظيمة
تتوقد بالناس وبالحجارة كما يتوقد غيرها بالحطب ...... قال مقاتل
بن سليمان: المعنى: قوا أنفسكم وأهليكم بالأدب الصالح النار في
الآخرة. وقال قتادة، ومجاهد: قوا أنفسكم بأفعالكم، وقوا أهليكم
بوصيتكم. قال ابن جرير: فعلينا أن نعلم أولادنا الدين والخير،
وما لا يستغنى عنه من الأدب ".
وقال الإمام السيوطي في الدر المنثور :
أخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن
جرير وابن المنذر والحاكم وصححه و البيهقي في المدخل عن علي بن
أبي طالب ? في قوله تعالى : { قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ
نَاراً } . قال: علموا أنفسكم وأهليكم الخير وأدبوهم.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: { قُواْ
أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً } قال: اعملوا بطاعة الله،
واتقوا معاصي الله، وأمروا أهليكم بالذكر ينجيكم الله من النار.
وأخرج ابن مردويه عن زيد بن أسلم ? قال: " تلا رسول الله ? هذه
الآية: { قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً } . فقالوا: يا
رسول الله كيف نقي أهلنا نارا؟ قال ? : " تأمرونهم بما يحبه الله
وتنهونهم عما يكره الله ".
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله ?:
{ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً } قال: أوصوا أهليكم
بتقوى الله.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة في قوله?:
{ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً } قال: مروهم بطاعة
الله، وانهوهم عن معصية الله.
وأخرج ابن المنذر عن عبد العزيز بن أبي رواد قال: مر عيسى ? بجبل
معلق بين السماء والأرض، فدخل فيه وبكى وتعجب منه، ثم خرج منه
إلى من حوله، فسأل: ما قصة هذا الجبل؟ فقالوا: مالنا به علم،
كذلك أدركنا آباءنا، فقال: يا رب، ائذن لهذا الجبل يخبرني ما
قصته؟ فأذن له فقال: لما قال الله: { قُواْ أَنفُسَكُمْ
وَأَهْلِيكُمْ نَاراً } اضطربت خفت أن أكون من وقودها، فأدع الله
أن يؤمنني، فدعا الله تعالى فأمنه، فقال: الآن قررت، فقر على
الأرض.
وأخرج ابن أبي الدنيا وابن قدامة في كتاب البكاء والرقة عن محمد
بن هاشم قال: لما نزلت هذه الآية : { قُواْ أَنفُسَكُمْ
وَأَهْلِيكُمْ نَاراً }, قرأها النبي ? ، فسمعها شاب إلى جنبه ،
فصعق، فجعل رسول الله ? رأسه في حجره رحمة له، فمكث ما شاء الله
أن يمكث، ثم فتح عينيه، فإذا رأسه في حجر رسول الله ? فقال: بأبي
أنت وأمي مثل أي شيء الحجر؟ فقال: "أما يكفيك ما أصابك، على أن
الحجر منها لو وضع على جبال الدنيا لذابت منه، وإن مع كل إنسان
منهم حجرا أو شيطانا " والله أعلم( ) .
فهذا شأن الموضوع الذي نبحثه , وهذا العقاب المنتظر لمن شقي وفرط
.
فلنعلم أنها مسؤولية تقع على عاتقنا جميعا ولقد حملنا إياها من
لا ينطق عن الهوى فقال الرحمة المهداة ?
" كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ
الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ
فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ
رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا
وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ
رَعِيَّتِهِ" قَالَ :[الراوي: عبد الله بن عمر ] وَحَسِبْتُ أَنْ
قَدْ قَالَ : " وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ
عَنْ رَعِيَّتِهِ وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ
رَعِيَّتِهِ " .
( قال ابن القيم : " قال بعض أهل العلم: " إن الله سبحانه يسأل
الوالد عن ولده يوم القيامة قبل أن يسأل الولد عن والده، فإنه
كما أن للأب على ابنه حقاً فللابن على أبيه حق؛
فكما قال الله تعالى : [وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ
إِحْسَاناً ]
وقال تعالى : [ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً
وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ]
فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى فقد أساء غاية الإساءة؛
وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء، وإهمالهم لهم،
وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغاراً، فلم ينتفعوا
بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم كباراً، كما عاتب بعضهم على العقوق،
فقال يا أبت إنك عققتني صغيراً، فعققتك كبيراً، وأضعتني وليداً
فأضعتك شيخاً ".
وقال الغزالي :"الصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة
ساذجة خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش، ومائلٌ إلى
كل ما يمال به إليه؛ فإن عُوِّد الخير وعُلِّمَه نشأ عليه، وسعد
في الدنيا والآخرة أبواه، وكل معلم له ومؤدب، وإن عُوِّد الشر
وأهمل إهمال البهائم، شقي وهلك وكان الوزر في رقبة القيم عليه،
والوالي له.
وإلى هذا أشر أبو العلاء في قوله :-
وينشأ ناشئ الفتيان فينـــــــا *** على ما كان عــوده أبــوه
وما دان الفتى بحجى ولــكــن *** يعلمه التدين أقربـــــــوه
وهاهو ابن باديس يا أبت يقول : " إن الفضل يرجع أولاً إلى والدي
الذي رباني تربية صالحة، ووجهني وجهة صالحة، ورضي لي العلم طريقة
أتبعها، ومشرباً أرده، وقاتني، وأعاشني، وبراني كالسهم، وحماني
من المكاره صغيراً وكبيراً ) .
فإليك أيها الأب .. أيتها الأم .. أيها المربي
حقوق الولد( ) المقررة كي نقوم ببرهم فننال رضى الله أولا ثم
ننال بر أبناءنا . نبدأها في الحلقة القادمة بحق الطفل المسلم
قبل أن يكون جنينا
فلذات أكبادنا
الحلقة الثانية
حقوق الطفل المسلم قبل أن يكون جنينا
أخي القارئ الكريم ... إن المعتاد في الخطب والمواعظ والكتب
والمقالات أن يبدءوا بالحديث أو الكتابة عن حقوق الوالدين لما
لعظم حق الوالدين على أبنائهم , أقول نعم . فكفى بتقرير حقهما
قول ربنا - عز و جل - :
{ وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ..} فقرن الله - تعالى _ بين عدم
الشرك به - سبحانه وتعالى - وطاعة الوالدين في حكمه وقضائه
العادل , وحقوق الوالدين عظيمة وهما سببا لدخول الجنة لمن
أطاعهما , وسببا لدخول النار لمن عقهما كما دل على ذلك الكتاب
والسنة .
غير أن بحثنا يتعلق بتقرير حق الولد على والديه لذا فلكل مقام
مقال , ولما يظن - لقداسة حق الوالدين - أنه ليس للولد حقا على
والديه أسوق في مقدمة مقالات الحقوق المقررة حديث الخليفة الراشد
عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - :
" جاء رجل إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ،
يشكو إليه عقوق ابنه فأحضر عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ابنه
وأنَّبه على عقوقه لأبيه، فقال الابن: يا أمير المؤمنين، أليس
للولد حقوق على أبيه؟ قال: بلى. قال: فما هي يا أمير المؤمنين؟
قال: أن ينتقي أمه، ويحسن اسمه، ويعلمه الكتاب (القرآن). فقال
الابن: يا أمير المؤمنين إنه لم يفعل شيئاً من ذلك: أما أمي
فإنها زنجية كانت لمجوسي، وقد سماني جعلاً (جعراناً)، ولم يعلمني
من الكتاب حرفاً واحداً. فالتفت أمير المؤمنين إلى الرجل، وقال
له: جئت إليّ تشكو عقوق ابنك، وقد عققته قبل أن يعقك، وأسأت إليه
قبل أن يسيء إليك.
فلقد قرر هذا الأثر ثلاثة حقوق أساسية للولد على أبيه :
حق انتقاء الأم - وحق التسمية - وحق التعليم
أن ينتقي أمه ً :
هذا حق للطفل المسلم كرمه به الإسلام قبل أن يوجد في رحم أمه,
فهو حقا إسلاميا فريدا من نوعه. حُقَّ لأمة الإسلام أن تفخر به .
إنه حق لا يوجد في نظام وضعي , ولا في حضارة من الحضارات
المزعومة التي تتشدق بالحق والعدل والحرية .
إنه حق أعطاه الإسلام للطفل قبل أن يتكون نطفة في بطن أمه ..
يا أمير المومنين أليس للولد حقوق على أبيه؟ قال: بلى. قال: فما
هي يا أمير المؤمنين؟ قال: أن ينتقي أمه .... "
إن ما قرره الخليفة العادل - رضي الله عنه - قرره على ضوء ما
تعلمه من الشرع الحنيف - وذكره في كلمتين تحتهما معان كثيرة , أن
" ينتقي أمه "
وتتضمن هاتان الكلمتان الموجزتان شروطا في هذه الأم وضحتها
الشريعة وهذه الشروط هي من حق الولد على أبيه وأولها :أن تكون
ذات دين :
لذا وجب الاعتناء باختيار الزوجة الصالحة التي تعين في تربية
الولد
فإن أول شئ يجب أن نحرص عليه من أجل أن يكون لنا أولاد مسلمون
صالحون هو أن نختار الزوجة الصالحة والأم الفاضلة التي يمكن أن
ترعى أبنائها رعاية كاملة فإن الأب وحده لا يستطيع أن يقوم
بعملية التربية بل هي جهد مشترك بين الأبوين وتعاون كامل مستمر .
إن اختيار الزوجة من أسرة كريمة صالحة أحسنت تربية أبنائها يوفر
على الزوج جهداً كبيرا وتعبا عظيماً
وقد أوصانا رسولنا - صلى الله عليه وسلم - أن نختار المرأة
الصالحة ذات الدين فيما سيأتي مفصلا.
ولكن قد رأينا شبابا يبهرهم حسن نساء , فيغضون النظر عن أمور
عظيمة تكون في حياة هؤلاء النسوة على أمل أنهن يصلحن بعد الزواج
فيرى الشاب أن مخطوبته مثلاً : لا تصلي ، أو أنها سافرة الوجه
حاسرة الرأس كاشفة الصدر والساق , أو أنها ممن تعود حياة
الاختلاط أو الملاعب أو دور اللهو , ومع ذلك يتقدم لخطبتها. فإذا
بينتَ له حالها أنبأك أنه سيعمل على تغيير حالها بعد الزواج .
ونحن لا نقول : إن مثل هذه المرأة لا تصلح فقد يهديها الله ولكن
العملية مغامرة ومخاطرة فقد تفشل جهود الزوج وتبقى الفتاة متعلقة
بما نشأت عليه .فكيف تتولى الأم توجيه أبنائها إلى الصلاة وهي لا
تصلي !! أو تدعوهم إلى الحجاب وهي سافرة !!
أن المرأة التي تخاف الله تعالى تحافظ على دينها وشرفها وسمعتها
وسمعة زوجها وماله فلا تفرط في شئ من ذلك ، فتحفظ على ولدها
سمعته بين أقرانه وأصحابه فلا ينالها أحد بسوء , ويدفعها خوفها
من الله في تربيته والإحساس بمسؤولياتها تجاه ولدها فتبذل جهدها
في تربيته والإحسان إليه وتوجيهه التوجيه الخير النير .
ولقد نبه لذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال:(
تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ وَانْكِحُوا الأَكْفَاءَ وَأَنْكِحُوا
إِلَيْهِمْ)
وقرر أصلاً واضحاً في تأثير الوراثة على المولود وحرص على هذا
المولود بقوله (تخيروا لنطفكم) فالرجل الذي يلقي نطفة في امرأة
تحمل مرضاً خطيراً أو تكون بلهاء إنما يخاطر بمستقبل ولده فربما
انتقل هذا المرض بالوراثة كما يقرر الأطباء اليوم فيأتي الولد
مشوهاً أو مجنوناً .
ونجد أن الشرع الحنيف رغب في الزواج من الأباعد والابتعاد عن
زواج الأقارب .. والطب اليوم يقرر أن الزواج من الأقارب أدعى إلى
ضعف المولود أو نقص الخلقة أو التشوه أو توارث الأمراض بينما
الزواج من الأباعد أدعى لقوة الجسد وصحة الجسم ونباهة العقل .
لذلك يجدر بالرجل أن يفتش عن الزوجة الملائمة له التي لا يكون
الزواج منها سبيلاً لجيل مريضا ضعيفا
وهذه بعض التوجيهات من شرعنا الحنيف تتضمن شروط الزوجة الصالحة
والزوج الصالح :
يقول تعالى : {وَأَنْكِحُواْ الأَيَامَى مِنْكُمْ
وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِن يَكُونُواْ
فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ
عَلِيمٌ }( )
فلقد وجهنا ربنا تبارك وتعالى بأن يكون اختيارنا الأول هو الصلاح
ويقول تعالى : { وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ
لِلْطَّيِّبَاتِ..}( )
أي : يا أيتها الطيبة عليك بالطيب ويا أيها الطيب عليك بالطيبة
وينبغي حال انتقاء الزوجة الصالحة مراعاة الشروط التالية وضعتها
السنة النبوية:
" تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا
وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ
يَدَاكَ ".
" الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ
الصَّالِحَةُ "
" لِيَتَّخِذْ أَحَدُكُمْ قَلْبًا شَاكِرًا وَلِسَانًا ذَاكِرًا
وَزَوْجَةً مُؤْمِنَةً تُعِينُ أَحَدَكُمْ عَلَى أَمْرِ
الآخِرَةِ "
وفي رواية " وزوجةٌ صالحةٌ تعينكَ على أمرِ دنياكَ ودينكَ خيرٌ
ما اكتنزَ الناسُ "
" تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ إِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ
الْأَنْبِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " عَلَيْكُمْ بِالأَبْكَارِ
فَإِنَّهُنَّ أَعْذَبُ أَفْوَاهًا وَأَنْتَقُ أَرْحَامًا
وَأَرْضَى بِالْيَسِيرِ " .
وفي رواية " وأقل خباً " أي : خداعاً رواه .
وكما أن المرأة الصالحة واحدة من أربع من السعادة ، فالمرأة
السوء واحدة من أربع من الشقاء ، كما جاء في الحديث الصحيح و فيه
قوله - صلى الله عليه وسلم - : " من السعادة : المرأة الصالحة
تراها فتعجبك ، وتغيب عنا فتأمنها على نفسها ومالك . ومن الشقاء
: المرأة التي تراها فتسوؤك ، وتحمل لسانها عليك ، وإن غبت عنها
لم تأمنها على نفسها و مالك "
وفي المقابل على الزوجة أن تتبصر في حال الخاطب الذي يتقدم لها ،
والموافقة عليه حسب الشروط التالية :
" إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ
فَزَوِّجُوهُ إِلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ
وَفَسَادٌ عَرِيضٌ "( ).
ولابد في كل ما سبق من حسن السؤال وتدقيق البحث وجمع المعلومات
والتوثق من المصادر والأخبار حتى لا يفسد البيت أو ينهدم .
سُئل الشيخ ابن باز رحمه الله :
ماهي الطريقة المثلى لاختيار الزوجة الصالحة ؟
فأجاب :سُؤال أهل العلم والأمانة عنها. وعن أهلها , حتى يثبت لدى
الخاطب أنها من ذوات الدين يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - :
" تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا
وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ
يَدَاكَ " متفق على صحته. ....." .
فبين - رحمه الله - أنها ينبغي الاستفسار عن حالها من أهل العلم
بها وبأهلها , ومن أهل الأمانة لكي يصدقوا في قولهم , فيقدم
الخاطب على بصيرة .
والذي يُسأل مؤتمن ناصح عليه أن يتقي الله ربه وأن يكون معياره
وميزانه في معرفة الناس ما وضعه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في
معرفة وتقييمه للرجال .
يقول الشيخ عبد الله ناصح علوان :
" وما أدق ما سنه الخليفة العادل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -
لما وضع الموازين الصحيحة لمعرفة الأشخاص , وإظهار حقائق الرجال
, وذلك حينما جاءه رجل ليشهد لرجل آخر ...
فقال له عمر : أتعرف هذا الرجل ؟
فأجاب: نعم .
قال : هل أنت جاره الذي يعرف مدخله ومخرجه ؟.
فأجاب الرجل : لا .
قال عمر : هل صاحبته في السفر الذي تعرف به مكارم الأخلاق ؟.
فأجاب الرجل : لا .
قال عمر : هل عاملته بالدينار والدرهم الذي يعرف به ورع الرجل ؟.
فأجاب الرجل : لا .
فصاح به عمر :
لعلك رأيته قائما قاعدا يصلي في المسجد يرفع رأسه تارة ويخفضها
أخرى .
فقال الرجل : نعم !!..
فقال له عمر: اذهب فإنك لا تعرفه. والتفت إلى الرجل وقال له :
ائتني بمن يعرفك .
فيجب ألا ينخدع الزوج أو الزوجة أو الشاهد بالمظهر الخارجي .
يقول الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق :
" ولذلك كان سؤال عمر - رضي الله عنه - عن الرجال هو التعامل
بالدينار والدرهم.
فقد سأل رجلاً فقال: هل تعرف فلاناً؟ قال: نعم. قال: هل عاملته
بالدينار والدرهم؟ قال: لا. قال: إذن لا تعرفه.
فمعرفة الدين الحقيقي لا يكون إلا بالمواقف والتعامل ومن أحرج
المواقف التي تظهر الرجال المعاملة بالدينار والدرهم لأن النفوس
مجبولة على حب المال فإذا تغلب الدين ومراقبة الله على النفس في
هذه القضية دل هذا على وجود الدين
ولذلك يجب علينا في البحث عن الزواج أن نبحث عن حقيقة الدين وأن
نأخذ من مجموع التصرفات والمعاملات هاديا ومرشدا إلى معرفة دين
الرجل والمرأة "
والرجل الصالح مع المرأة الصالحة يبنيان بيتا صالحا لأن البلد
الطيب يخرج نباته بإذن ربه ، والذي خبث لا يخرج إلا نكدا , أي :
فينتج عن هذا الزواج أرضية طيبة ينشأ فيها الولد الصالح .
إذا نخلص مما سبق :
أن السعي للزواج من المرأة الصالحة ذات الدين مطلبا شرعيا , وهو
حقا للولد قبل أن يولد وأنه من تمام الاختيار أن تكون سليمة
الجسم , ودودا ولودا من أسرة ذات صلاح وحسب ونسب. ويجب التحري
والتمهل في الزواج لأنه حق لنا ولذريتنا .
تهيئة البيت المسلم في الحي المسلم :
كما أنه من حق الولد قبل أن يولد أن نهيئ له البيت المسلم، في
الحي المسلم، لتوفير البيئة المسلمة الصالحة , وهذا الحق دلت
عليه أحكام شرعية :
كوجوب الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام للمحافظة على الدين
, وفي ذلك صيانة للذرية المنتظرة , وضمان لسلامة مصادر التلقي
ممن حولهم من المسلمين , والقيام بشعائر الدين بحرية . ويدل على
ذلك وجوب هجر أماكن المعصية والبلاد التي يغلب على أهله الفساد ,
مخافة على النفس والأهل والولد .
وسيتضح لنا هذا الحق جليا في الباب التالي عند الكلام على
الأخطار المحدقة .
أما حلقتنا القادمة فسوف نتناول فيه - إن شاء الله تعالى -
حقوق فلذات أكبادنا من الرحم إلى البلوغ .
تحدثنا في الحلقة الماضية عن حق الطفل المسلم قبل أن يكون جنينا
في بطن أمه ووضحنا عناية الإسلام بالذرية المنتظرة وها نحن اليوم
نقف مع بعض محاسن الإسلام في رعاية حق الطفل في مراحل عمره
المختلفة . يكون جنينا
حقوق الطفل المسلم وهو في الرحم إلى البلوغ
على الوالد إتباع السنة في معاشرة زوجته، والدعاء بالمأثور في
الفراش . حتى لا يشركه الشيطان اللعين في أعز ما يملك
قال تعالى: (...وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ
وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً ) (
).
وللشيخين عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله
عليه وسلم - قال:
[ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ قَالَ بِاسْمِ
اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبِ
الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا فَقُضِيَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ لَمْ
يَضُرُّهُ] .
قال ابن دقيق العيد أي : لا يضره في دينه أيضاً .
وقال الداودي: أي لم يفتنه عن دينه إلى الكفر.
حقه وهو جنين :
فإذا رزق حملاً فإن هذا الجنين له حقوق منها :
أن يرعى أمه أثناء الحمل ويساعدها في واجباتها المنزلية ويوفر
لها الخدمات الصحية .
إتباع السنة في استقبال المولود، كأن يؤذن في أذنه بعد ولادته،
ويحنكه بنفسه، أو يذهب به إلى عالم صالح ليحنكه، ويعد له
العقيقة. ومن حقه أن يثبت له نسبه .
وإذا كانت بنت فلا يتسخط ، لأن الهدف هو إنجاب الذرية الصالحة،
ولداً كان أم بنتاً، فالولد الصالح يشمل الذكر والأنثى، وتسخط
البنات اعتراض في غير محله، وعدم رضى لما أعطى الله عز وجل، وهي
بقية من الجاهلية؛ لأنهم كانوا يرغبون بالذكور لأنهم محاربون
ينفعونهم في الغزو والسلب والنهب، بينما تكون البنت عالة على
الرجال في القبيلة، لأنها ليس محاربة، وهذا ضيق أفق وجهل قبلي
متعفن، أليست المرأة تلد الرجال المحاربين!!؟ وكل عظيم وراءه
امرأة كما قيل .
أن يتخير له اسما حسنا :
أن يتخير له اسماً حسناً، ذكراً كان أو أنثى. كما ورد في السنة
المطهرة.
فهذا حقه كما مر بنا في حديث عمر - رضي الله عنه -:
" يا أمير المؤمنين، أليس للولد حقوق على أبيه؟ قال: بلى. قال:
فما هي يا أمير المؤمنين؟ قال: أن ينتقي أمه، ويحسن اسمه .... "
فاختيار الاسم الحسن من حق الولد , وذكرُ عمر له لأنه من الأهمية
بمكان .
فالاسم يلازم صاحبه حتى الممات . ويقرع سمعه في كل لحظة وحين .
وفوق ذلك فإن لكل شخص من اسمه نصيبا .
لذلك أرشد النبي - صلى الله عليه وسلم - المسلمين إلى اختيار
الأسماء الحسنة لأولادهم .
ولأهمية هذا الحق نقف معه بتفصيل :
قال صلى الله عليه وسلم -:
( أَحَبُّ الأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَبْدُ
اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَأَصْدَقُهَا حَارِثٌ وَهَمَّامٌ
وَأَقْبَحُهَا حَرْبٌ وَمُرَّةُ ( ) فحث النبي - صلى الله عليه
وسلم - على تحسين اسم الولد، وذلك من أول حقوق الولد على والديه،
فكل اسم دلّ على معنى حسن شرعاً فهو مندوب إليه، وما دلّ على
خلاف ذلك فهو مذموم شرعاً وبعض الأسماء أحسن من بعض، فأفضل
الأسماء ما ندب إليها الشارع بعينها.
1. ما ندب إليه الشارع من الأسماء:
أ- كل اسم فيه " عبد " مضاف إلى اسم من أسماء الله التسعة
والتسعين كعبد الله - عبد الرحمن - عبد الغفار - عبد الودود -
عبد الرزاق - عبد التواب - عبد المعطي - عبد العظيم - عبد الخالق
- عبد الباري - عبد المهيمن - عبد الحفيظ..
كل اسم دال على الحمد: محمد - محمود - أحمد - حامد - ونحوها.
ب- الأسماء التي استبدلها بغيرها صلى الله عليه وسلم - نحو:
" جميلة: وجُوْيريّة و زُرْعة وسهل وهشام وسِلْم والمنبعث وطيبة.
ج- أسماء الأنبياء قال صلى الله عليه وسلم :" تَسَمَّوْا
بِأَسْمَاءِ الأَنْبِيَاءِ " . ( )
لأن الاسم يُذكّر بما سماه، ويقتضي التعلق بمعناه، والأنبياء
سادات بني آدم.
2- الأسماء الحسنة:
كل ما دلّ على معنى محمود استُحسن التسمية به، وقد شاع في هذه
الأيام التسمية بأسماء لا معنى لها وهو مما يُذَم شرعاً، وكذلك
التسمية بأسماء الحيوانات وما شابه ذلك.
3- الأسماء المذمومة :
كما ندب الشارع - صلى الله عليه وسلم - إلى أسماء، وحثّ على
التسمية بها فإنه نهى عن أسماء وهذا النهي منه ما هو جازم فتكون
التسمية بالاسم محرمة، ومنه ما هو غير جازم فتكون التسمية مكروهة
غير مستحسنة.
1. الأسماء المحرمة:
اتفق العلماء على تحريم كل اسم معبَّد لغير الله - تعالى - نحو:
عبد المسيح وعبد الزهراء وعبد الكعبة وعبد الحسين وعبد النبي.
وَفَدَ على النبي - صلى الله عليه وسلم - قوم، فسمعهم يسمّون عبد
الحجر فقال له: [ ما اسمك؟ ] فقال: عبد الحجر. فقال له رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - :[ إنما أنت عبد الله ]. والعبودية لغير
الله إشراك، ونطق الاسم في ذاته، والتَّسمّي به لا يجوز.
قال - صلى الله عليه وسلم -: [إِنَّ أَخْنَعَ اسْمٍ عِنْدَ
اللَّهِ رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الأَمْلاكِ] ( ) ومما يحرم:
التسمية بأسماء الرب تعالى مثل الله والرحمن والصمد والقيوم.
2. الأسماء المكروهة:
وهي التي لا يُستحسن التسمية بها.
قال صلى الله عليه وسلم -: [ وَلا تُسَمِّيَنَّ غُلامَكَ
يَسَارًا وَلا رَبَاحًا وَلا نَجِيحًا وَلا أَفْلَحَ فَإِنَّكَ
تَقُولُ أَثَمَّ هُوَ فَلا يَكُونُ فَيَقُولُ لا ] . ( ) .
وهذه العلة - وهي خوف أن لا يكون للمسمى نصيب - من اسمه تكون في
غير الأسماء المذكورة كأن يُسمي " مؤمناً " ويكون في كبره
كافراً!
فعلى الآباء والأمهات أن يحسنوا التسمية، ويضعوا في الحُسبان
ذلك، ويجب عليهم أن يُنشئوا الطفل على الأوصاف التي يقتضيها
اسمه، فإن كان اسمه " محمداً " عوده منذ صغره على فعل المحامد،
وبذل العطاء للناس ليكون محمداً حقيقة.
ومن الأسماء المكروهة أسماء العاهات نحو الأعور والأحدب والأعرج
ونحوها.
وكذلك التسمية بأسماء الحيوانات، فالإنسان مكرَّم من قبل الله،
فلا يليق به أن ينحط عن تلك المرتبة فيسمي " صقراً " و"أسداً"
ونحو ذلك.
وكذلك أسماء الفراعنة والجبابرة التي اختصّوا بها وصارت حين
إطلاقها لا تنصرف إلا إليهم، نحو " فرعون " و"قارون" و"هامان".
ومنها أسماء الملائكة كجبرائيل وميكائيل ونحوهما، وبعض العلماء
أباح التسمية بها ومنها الأسماء التي لها معانٍ تكرهها النفوس
نحو حَرْب ومُرّة وحنظل وغير ذلك.
قال رسول - صلى الله عليه وسلم -: [ أقبح الأسماء حرب ومرّة] . (
).
وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم - يشتد عليه الاسم القبيح
ويكرهه جداً من الأشخاص والأماكن والقبائل والجبال، حتى أنه: مر
- صلى الله عليه وسلم - في مسير له بين جبلين فقال: [ ما اسمهما؟
فقيل له: فاضح ومُخزٍ فعدل عنهما ولم يمر بينهما ] ومن تأمل
السنة وجد معاني في الأسماء مرتبطة بها، حتى كأن معانيها مأخوذة
منها وكأن الأسماء مشتقة من معانيها فتأمل قوله - صلى الله عليه
وسلم -: [ أسلم سلمها الله، وغِفَار غفر الله لها] وعصيّة عصت
الله]( ).
ويوضح ذلك أيضا ما ورواه الإمام مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد:
" أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه - قال لرجل : ما اسمك ؟ قال :
جمرة . قال : ابن من ؟ قال : ابن شهاب . قال : ممن ؟ قال : من
الحرقة . قال : أين مسكنك ؟ قال : بحرة النار . قال : بأيتها ؟
قال : بذات لظى . قال عمر: أدرك أهلك فقد هلكوا واحترقوا . فكان
كما قال عمر -رضي الله عنه- " .
التفاؤل بالاسم الحسن :
وكان - صلى الله عليه وسلم - يتفاءل بالاسم الحسن، ويستبشر به
خيراً نحو ما فعل يوم الحديبية لما جاء سهل بن عمرو فقال النبي -
صلى الله عليه وسلم - : [...لَقَدْ سَهُلَ لَكُمْ مِنْ
أَمْرِكُمْ....] ( ). قال ابن القيم :وهذا دليل من الأدلة على
علوَّ حسَّه اللُغوي وتذوَّقه الرفيع صلى الله عليه وسلم .
تغيير الاسم باسم آخر لمصلحة تقتضيه :
عن ابن عمر- رضي الله عنهما - " أن النبي - صلى الله عليه وسلم -
غير اسم عاصية، وقال: أنت جميلة ".
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة - صلى الله عليه وسلم -:" أَنَّ
زَيْنَبَ كَانَ اسْمُهَا بَرَّةَ فَقِيلَ تُزَكِّي نَفْسَهَا
فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : زَيْنَبَ " .
وفي سنن أبي داود عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ جَدِّهِ :" أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ
لَهُ: مَا اسْمُكَ ؟ قَالَ حَزْنٌ قَالَ: أَنْتَ سَهْل .ٌ قَالَ
: لا السَّهْلُ يُوطَأُ وَيُمْتَهَنُ قَالَ سَعِيدٌ فَظَنَنْتُ
أَنَّهُ سَيُصِيبُنَا بَعْدَهُ حُزُونَةٌ".
وفي الصحيحين: " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أُتي
بالمنذر بن أبي أسيد حين ولد، فوضعه على فخذه فأقاموه، فقال -
صلى الله عليه وسلم -:" أين الصبي " . فقال أبو سعيد: قلبناه يا
رسول الله. قال: " ما اسمه؟ " قال فلان، قال: " ولكن اسمه المنذر
".
وروى أبو داود في سننه عن أسامة بن أخدري - رضي الله عنه - : "
أن رجلاً كان يقال له: أصرم، كان في النفر الذين أتوا رسول الله
صلى الله عليه وسلم - , فقال صلى الله عليه وسلم - : " ما اسمك
؟". قال: أصرم، قال : " بل أنت: زُرعة".
قال أبو داود: وغَيرَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "اسم
العاص وعَزيز وعقلة وشيطان والحكم وغراب وشهاب وحباب، فسماه
هاشماً، وسمى حرباً: سِلماً، وسمى المضطجع: المنبعث، وسمى أرضاً
يقال لها عفرة: خضرة، وشِعب الضلالة سماه: شعب الهدى، وبنو
الزنية سماهم: بني الرشدة، وسمى بني مُغْوِية: بني رشدة.
وقد قال ابن أبي شيبة في مصنفه: قال الشعبي: لم يدرك الإسلام من
عصاة قريش غير " مطيع"، وكان اسمه العاصي، فسماه رسول الله صلى
الله عليه وسلم مطيعاً.
وعن علي - رضي الله عنه - قال: " لما ولد الحسن سميته: حرباً،
قال: فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: [ أروني ابني، ما
سميتموه؟] قلنا حرباً، قال: [ بل هو حسن] ، فلما ولد الحسين
سميته حرباً، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: [ أروني ابني
ما سميتموه؟] قلنا: حربا. قال: [ بل هو حسين] قال فلما ولد
الثالث سميته حرباً، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: [
أروني ابني ما سميتموه؟] حرباً، قال: [ بل هو محسن] ثم قال: [
إني سميتهم بأسماء ولد هارون: بشر وبشير ومبشر].
وفي مصنف ابن أبى شيبة عن خيثمة قال: كان اسم أبي في الجاهلية
عزيزاً، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم -: عبد الرحمن.
وكان رجل يقال له: أصرم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ ما
أسمك] فقال: أنا أصرم، قال: [ بل أنت زُرعة] ( ).
وعن رابطة بنت مسلم عن أبيها قال: شهدت مع النبي - صلى الله عليه
وسلم - حنيناً، فقال لي: ما اسمك؟ قلت: غراب، قال لا، بل أنت
مسلم .
وكما أن تغيير الاسم يكون لقبحه وكراهته، فقد يكون لمصلحة أخرى
مع حسنه. كما غير اسم برّة: بزينب، كراهة التزكية، وأن يقال: خرج
من عـند برة، أو يقال كنت عند برة ، فيقول: لا.
وغير النبي -صلى الله عليه وسلم - اسم المدينة، وكان يثرب،
فسماها: طيبة، كما في الصحيحين عن أبي حميد قال: أقبلنا مع النبي
- صلى الله عليه وسلم - من تبوك حتى أشرفنا على المدينة، فقال
هذه " طيبة ".
وفي صحيح مسلم عن جابر بن سمرة قال سمعت رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - يقول:" إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى الْمَدِينَةَ
طَيبَةَ" ويكره تسميتها يثرب كراهة شديدة، وإنما حكى الله تعالى
تسميتها: يثرب، عن
المنافقين، فقال - تعالى- :
{ وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَـفِقُونَ وَالَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم
مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً *
وَإِذْ قَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ يأَهْلَ .يَثْرِبَ لاَ
مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُواْ }( )
وفي سنن النسائي أن أبا هريرة -رضي الله عنه - قال: سمعت رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:
(أُمِرْتُ بِقَرْيَةٍ تَأْكُلُ الْقُرَى يَقُولُونَ يَثْرِبُ
وَهِيَ الْمَدِينَةُ تَنْفِي النَّاسَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ
خَبَثَ الْحَدِيدِ ) .
دلالة الاسم على توجه الأسرة :
هذا و إن في اختيار الاسم للأولاد دليلا على توجه الوالدين أو
أحدهما: الديني، أو الفكري، أو السياسي، أو الاجتماعي، أو غير
ذلك.
لذلك يمكن إدراك نوع توجه الأسرة من خلال أسماء أبنائها، فإن كان
الاسم نحو عبد الله وعبد الرحمن ومحمد، ومحمود دلّ على التوجّه
الديني، بل أكثر من ذلك ربما دلّ الاسم في الغالب على الانتماء
المذهبي داخل الاتجاه الديني. فنحو " عمر - أبي بكر - معاوية"
يدل على التوجّه السنّي وغير ذلك من الأسماء وكلما كان الاسم
ثقيلاً وقاسياً دل في الغالب على أنه في الصحراء والبادية، وربما
كان توجّه العائلة سياسياً فيسمّون بأسماء زعماء سياسيين ووطنيين
أو التوجه غربياً فيسمون بأسماء أجنبية أو فنياً فيسمون بأسماء
فنانين مشهورين، أو فكرياً فيسمون بأسماء مفكرين عظماء، وقد يكون
الاسم لقيمة جمالية فتقتصر التسمية على اختيار الاسم الحسن
الجميل لفظاً ومعنىً.
فمما سبق يتضح لنا أهمية هذا الحق واعتناء ديننا الحنيف بتسمية
أولادنا , فعلينا أن نؤدي لهم حقهم في تسميتهم بما يرضي الله
ورسوله ويسعدهم في دينهم ودنياهم .
حق الختان :
ومن حقه أن يختنه ذكراً كان أو أنثى، والختان من سنن الفطرة،
ويستحب أن يكون بُعيد الولادة بأيام قليلة لسهولته عندئذ على
الطفل الذكر .
وهو مستحب عند الجمهور للبنت , وأعف لها وأطهر , وإن كانت أحاديث
ختان البنات ضعيفة , ولكن العمل عليها عند الجمهور على الاستحباب
.
وأتى من الأحاديث الصحيحة ما يفيد أن البنت لها أن تتختن : قال -
صلى الله عليه وسلم - في الحديث :
" إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَجَبَ الْغُسْلُ.. " ففي هذا
الحديث كنى النبي عن عضو الرجل وعضو المرأة بالختانين , ولا
يكونا كذلك إلا إذا كانا مختونين .
فإذا علم ذلك فعلينا أن نحذر دعاة الفجور الذين يريدون أن تكون
المرأة مشتعلة بالشهوة , ليصلوا إلى مرادهم الخبيث .
حق الرضاعة :
أن يختار له والده مرضعة صالحة، وأفضلهم أمه التي أنجبته، لما
للبنها من توافق مع الطفل، كما للرضاعة من الأم أثر طيب في النمو
النفسي والعاطفي للطفل، وإن تعذر على الأم إرضاعه، فينبغي على
الأبوين البحث عن مرضعة ذات دين، لا تأكل حراماً ولا تقترب منه،
فيستفيد الطفل عندئذ من حليبها إن شاء الله.
أن ترعاه أمه وتحضنه، - وخاصة خلال الطفولة المبكرة - ولا تتركه
للخادمات أو المربيات مهما أخلصن في عملهن، فالأم لا تعوض عند
الطفل بالدنيا كلها.
تعليمه القرآن :
وعلى الوالدين أن يعلّما طفلهما كتاب الله - تعالى - وما يلزمه
من العلوم النافعة لدينه ودنياه. وهذا ما أشار إليه أمير
المؤمنين عمر - رضي الله عنه - فيما سبق من تقرير حق الولد على
أبيه " ... وأن يعلمه الكتاب "
وقد أخرج البيهقي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:
[حق الولد على الوالد أن يعلمه الكتاب والسباحة، وألا يرزقه إلا
طيباً].
أن يعلمه السباحة والفروسية :
أن يعلمه السباحة، وركوب الخيل [ وما في حكمها الآن من سيارة
ودراجة]، ويربي جسده تربية إسلامية، ليكون مجاهداً في سبيل الله
عز وجل.
ألا يرزقه إلا طيباً، من الكسب الحلال، فقد روى الطبراني في
الأوسط أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: [من سعى على
عياله من حله فهو كالمجاهد في سبيل الله، ومن طلب الدنيا حلالاً
في عفاف كان في درجة الشهداء] , و أخرج ابن أبي الدنيا عدة
أحاديث تحت باب: النفقة على العيال، والثواب على النفقة عليهم.
منها [... وإن كان يسعى على صبيان له صغرا ليغنيهم فهو في سبيل
الله...] ومنها [من طلب الدنيا حلالاً ووجه مثل القمر ليلة
البدر...].
أن يعلمه الصلاة ويدربه على الصوم :
أن يعلمه الصلاة ويدربه عليها في سن السابعة، ويواظب على هذا
التدريب والتعليم حتى ترسخ عنده، ويصحبه إلى المساجد للصلاة،
وسماع الدروس، والمواعظ والجلوس عند العلماء.
وأن يدربه على الصوم منذ السابعة، ويراعي الفصول وطول النهار،
فيدربه على صوم النهار كله أو بعضه، حتى إذا أنس منه القدرة على
الصوم يلزمه به.
أن يكون الوالدين قدوة حسنة :
أن يكون الوالدين قدوة حسنة لأطفالهما في البيت وخارجه، فالأطفال
يتعلمون من اقتدائهم بأفعال والديهم أضعاف ما يتعلمونه من أ
قواهم.
بعض الحقوق الأخرى :
أن يعلمه آداب الاستئذان وسائر الآداب الاجتماعية، ويدربه عليها
ويلقنه إياها بالقدوة والقول.
أن يوفر له الرفقة الصالحة، ويخطط بشكل غير مباشر ليضع ولده في
بيئة صالحة، كالسكن في حي إسلامي، بجوار المسجد النشيط، وإرساله
إلى مدرسة إسلامية، وإرساله إلى المراكز الصيفية والمخيمات
الإسلامية.
أن يعوله ويرعاه :
أن يعوله حتى سن الرشد، وأن يعده للحياة في مجتمعه، فيدرسه
ويدربه ويعده بما يلزم ليكون عنصراً صالحاً في المجتمع المسلم.
هذه أبرز الحقوق - التي استطعت أن أقف عليها في هذه المرحلة من
عمر الولد- التي للولد على والديه , فصلت فيما رأيت أنه يحتاج
إلى التوضيح .
سائل الله أن يجعل فيها النفع والفائدة .
|