|
الطفل المسلم
ميثاق الطفل...
رؤية إسلامية معاصرة
رضا عبد الودود
وافق مجلس البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف على "ميثاق الطفل في
الإسلام" الذي أصدرته اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل،
بمشاركة أ.د. يوسف القرضاوي، أ.د. محمد عمارة، أ.د. علي جمعة،
أ.د. أحمد العسال، أ.د. سعاد صالح، أ.د. فتحي لاشين، وعدد من
المختصين.
ويأتي الميثاق كرؤية إسلامية للقوانين والمشروعات التي تبنتها
مؤتمرات المرأة على الصعيد العالمي في: بكين، بكين + 5، ومؤتمر
السكان بالقاهرة، والتي تبنت رؤى غير متوافقة تماما مع كافة
الأديان، ضمنت في اتفاقية السيداو التي رعتها الأمم المتحدة،
واتفاقية الطفل، مما دفع لجنة المرأة للعكوف على تلك الوثائق
ودراستها لفترة تجاوزت العام، نظمت خلالها عدة ورش عمل ومنتديات
للحوار؛ للخروج بمشروع ميثاق الطفل في الإسلام.
وصيغت مواد الميثاق في ضوء المبادئ الأساسية التي تحكم أمور
الطفل في الإسلام، وترك ما يتصل بالتشريع والإجراءات التنفيذية
لكل بلد، بغية المواءمة بين مواد الميثاق وظروف كل مجتمع إسلامي.
وروعي في صياغة مواد الميثاق أن توازي في مضامينها وترتيبها
الاتفاقيات الدولية؛ تيسيرا لمقارنة المنظور الإسلامي للطفل بما
عداه من منظورات.
وجاءت مواد الميثاق متوازنة ترتكز على توازن حقوقه مع واجباته،
على وجه يتدرج مع مراحل نموه، حتى تصل إلى مرحلة المسئولية
الكاملة. واعتمدت لجنة صياغة الميثاق على مرجعية وحيدة مستمدة من
القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، واتخذت الكتابات التراثية
والمعاصرة إضاءة لإبراز المبادئ المكونة لمواد الميثاق، حيث
تضمنت المذكرة التفسيرية لمواد الميثاق الـ 33 الأساس القرآني أو
النبوي الذي بنيت عليه المادة.
ويشمل الميثاق جميع مراحل حياة الطفل بدءا من تكوين الأسرة
واختيار الزوجين انطلاقا من حق الطفل في أن يأتي للحياة عن طريق
الزواج الشرعي بين رجل وامرأة وليس من طريق سفاح، ويبرز الميثاق
حكمة وجود الأطفال حفظا للجنس البشرى؛ ومن ثم حرمت الشريعة
الإسلامية تعقيم الرجال والنساء واستئصال الأرحام بغير ضرورة
طبية.
وتفردت مواد الميثاق بالنص على أن ترعى الشريعة الإسلامية الطفل
عبر مراحل حياته، منذ اختيار الزوجين وفترة الحمل والولادة حتى
التمييز (الطفل غير المميز)، ومن التمييز حتى البلوغ، بينما لم
تنص اتفاقية حقوق الطفل على أي حقوق في هذه المرحلة، واقتصرت
المادة الأولى من الاتفاقية على تعريف الطفل بأنه "كل إنسان لم
يتجاوز الثامنة عشرة".
الأسرة مصدر القيم الإنسانية
ونظرا لخطورة الاتجاهات المعاصرة في الغرب التي عممت في الدول
الإسلامية المؤدية إلى تفكيك الأسرة، من كونها ذات أواصر متعددة:
بيولوجية وإنسانية وعاطفية ومجتمعية متكاملة، وذات التزامات
وحقوق متبادلة، يجعلها أسرة تقوم على الرابطة البيولوجية الفردية
وحدها، ثم بتشجيع تحلل كل من الأب والأم من التزاماتهما تجاه
الأولاد؛ فقد حرصت مواد الميثاق على التأكيد على بيان أوجه أهمية
الأسرة بالنسبة للطفل في الإسلام الذي حرص على أن ينشأ الطفل في
أسرة ممتدة الروابط تحميه وترعاه وتربيه، فنصت المادة الثالثة
على أن "الأسرة محضن الطفل وبيئته الطبيعية اللازمة لرعايته
وتربيته، وهي المدرسة الأولى التي ينشأ الطفل فيها على القيم
الإنسانية والأخلاقية والروحية والدينية".
الحقوق الثقافية
وإلى جانب حفاظ الإسلام على هوية الطفل بما في ذلك اسمه وجنسيته
وصلاته العائلية وكذلك لغته وثقافته وانتمائه الحضاري والديني،
أكدت مواد الباب الثاني من الميثاق "الحريات والحقوق الإنسانية
العامة" على حق الطفل -منذ تخلقه جنينا- في الحياة والبقاء
والنماء، وتحريم إجهاض الجنين إلا إذا تعرضت حياة الأم لخطر محقق
لا يمكن تلافيه إلا بالإجهاض، كما حرمت مواد الميثاق الإضرار
بالجنين وعقاب من يعتدي عليه، وتوفير الرعاية الصحية والتغذية
الملائمة من خلال رعاية أمه الحامل. وينطبق ذلك حتى في حالة
الحمل الحرام من الزنا فلا يجوز لأمه إسقاطه لأنه لا ذنب له فيما
جناه أبواه (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى).
حقوق الأحوال الشخصية
كما حرص الميثاق على علاج الآثار السلبية التي أدخلتها الحركات
الأنثوية المتطرفة على القوانين والتشريعات الخاصة بالمرأة،
وانطلاقا من أن حفظ الأنساب من مقاصد الشريعة الإسلامية؛ أكدت
المادة 14 على أن للطفل الحق في الانتساب إلى أبيه وأمه
الحقيقيين. وبناءً على ذلك تحرم كل الممارسات التي تشكك في
انتساب الطفل إلى أبيه، كاستئجار الأرحام ونحوه، وتتبع في ثبوت
النسب أحكام الشريعة الإسلامية (ادْعُوهُمْ لآِبَائِهِمْ هُوَ
أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من
ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم فالجنة عليه حرام". ولا تجيز أحكام
الشريعة الإسلامية نظام التبني، ولكنها تكفل حقوق الرعاية
الاجتماعية للأطفال بكافة صورها، ولكافة فئات الأطفال، كالأيتام
واللقطاء والمعوزين وذوي الحاجات الخاصة.
ودعت مواد الميثاق مؤسسات المجتمع وأولياء الأمور إلى توفير
مستوى معيشي ملائم لنمو الأطفال بدنيا ونفسيا ودينيا واجتماعيا،
وذلك بتنظيم نفقة الطفل التي تقع أولا على والديه ثم الأقرب
فالأقرب، فإن لم يستطيعوا وجب على الدولة تأمين نفقات الطفل،
ويمتد حق النفقة حتى يصبح قادرا على الكسب وتتاح له فرصة عمل،
وللبنت حتى تتزوج، أو تستغني بكسبها.
وفى تميز دقيق لأحكام الشريعة الإسلامية، ومن خلال الاستقراء
العلمي المتوازن، أكد الميثاق على أهلية الطفل منذ مرحلة الجنين
-معلقة بميلاده- في التمتع بأهلية وجوب محددة للحقوق المالية
التي تقررها له الشريعة الإسلامية، فيحتفظ له بحصته في الميراث،
والوصية، والوقف، والهبة من الوالدين أو الأقرباء أو الغير،
لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا استهل المولود وُرِّثَ" أي
بمجرد صراخه أو عطسه بعد الولادة مباشرة. يذكر أن اتفاقية الطفل
لم تتعرض لتلك الحقوق إطلاقا.
ونصت نفس المادة على أهلية الأداء التي تعني أهلية تصرف الطفل في
حقوقه وأمواله بشرط التمييز العقلي، والتي حدد بدءها الفقهاء بسن
السابعة وانتهاءً بسن البلوغ.
وفى الإطار التنموي للشريعة الإسلامية، تبنى الميثاق مبدأ التدرج
في المسئولية الجنائية والمعاملة الخاصة للأطفال بما يراعي سن
الطفل وحالته وظروفه، على أن تتم معاملة الطفل بطريقة تراعي
كرامته وحرياته الأساسية، مع تشجيع إعادة الأطفال فاقدي التمييز
وأصحاب الاحتياجات الخاصة واندماجهم ومشاركتهم في بناء المجتمع.
وفى ذلك تعد الشريعة الإسلامية أول شريعة في العالم ميزت بين
الصغار والكبار من حيث المسئولية الجنائية تمييزا كاملا؛
فالشريعة لا تعرف محلا للمسئولية إلا الإنسان المكلف وهو من ترجح
اكتمال عقله ببلوغه سن النكاح، ويعفى الأطفال الذين لم يبلغوا
الحلم من المسئولية.
ولمواجهة ظواهر العنف ضد الأطفال، عالجت المادة 27 موضوع حماية
الطفل من العنف وإساءة المعاملة، وغير ذلك مما يمس كرامته، سواء
وقعت من الوالدين أو ممن يتعهده ويقوم برعايته، كالمدرس في
المدرسة أو المربية في المنزل، أو المشرف في النادي، وغيرهم ممن
لهم حق التهذيب والتوجيه من إيقاع الجزاءات المقبولة، دون الوقوف
على النص على حماية الطفل من كافة أشكال العنف مما نتج عنه عند
التطبيق في الغرب وجود صور سلوكية تحميها أجهزة حكومية مما يؤدي
إلى دعم انفلات الأطفال من نظام الأسرة ورفع دعاوى قضائية ضد
ذويهم، وفقدان التوازن المطلوب بين سلطة الأسرة وبين عدم إساءة
استعمال هذه السلطة.
ودعا الميثاق إلى عدم مشاركة الأطفال في الحروب قبل بلوغ السن
المقررة، وللطفل في حالات الطوارئ والكوارث والمنازعات المسلحة
أولوية الحماية والرعاية الخاصة بالمدنيين من حيث عدم جواز قتله
أو جرحه أو إيذائه أو أسره، وله أولوية الوفاء بحقوقه في المأوى
والغذاء والرعاية الصحية والإغاثة، انطلاقا من أدب الإسلام في
الحروب عموما؛ حيث أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم قادة الجيوش
قائلا: "انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله ولا تقتلوا
شيخا فانيا ولا طفلا ولا صغيرا ولا امرأة..."
واختتمت بنود الميثاق بالتأكيد على عدم الإخلال بأي من حقوق
الإنسان المنصوص عليها في إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في
الإسلام الصادر عن مؤتمر القمة لمنظمة المؤتمر الإسلامي في
5/8/1990، ولا مع أي إعلان دولي يتماشى مع أحكام الشريعة
الإسلامية.
وحول بنود الميثاق ومراحل صياغته وأهميته تؤكد م. كاميليا حلمي
المديرة التنفيذية للجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل التي
أشرفت على صياغة الميثاق، أن ميثاق الطفل جزء من ميثاق الأسرة في
الإسلام؛ في إطار خطة اللجنة لعرض الرؤية الإسلامية لقضايا
المجتمع ومحاولة بلورة أساس قانوني من التشريعات التي يُبنى
عليها نسق قانوني منظم يتوافق مع قيم الشريعة الإسلامية.
وتستهدف اللجنة اعتماد ميثاق الطفل من منظمة المؤتمر الإسلامي
ليصل إلى مستوى المرجعية لدى الدول الإسلامية في صياغة حقوق
وواجبات الطفل في الإسلام.
وحول مستقبل الطفولة والأسرة في ظل العولمة ترى م. كاميليا أن
الأسرة باتت مستهدفة من جهات عدة لكونها النواة التي تحافظ على
القيم عبر الأديان، وتحافظ على توريث تلك القيم للأبناء؛ ومن ثم
تركز اللجنة التي يرعاها شيخ الأزهر على توضيح تلك القيم
والمعاني التي تحفظ كيان الأسرة، وتعتمد في ذلك على التواصل مع
الجمعيات والحركات النسائية العالمية عبر ائتلاف المنظمات
الإسلامية العالمية الذي يتبنى رؤى إسلامية لقضايا المرأة والطفل
والأسرة.
|
|
 |
إصدارة
جديدة
ختان
الإناث الشرعي رؤية طبية
المؤلف:د ست البنات
خالد
عرض الكتاب» |
|
|