مفهوم الحق الإنساني في الإسلام
د.
عبد الله الزبير -عميد كلية الشريعة
جامعة القران الكريم
ورقة مقدمة للمنتدى الأول حول
وثيقة حقوق الطفل(نحو عالم جدير بالأطفال)
بإدارة معهد الدراسات الأسرية بجامعة أم درمان الإسلامية
بالتعاون مع المجمع الفقهي الإسلامي السوداني
*مفهوم مصطلح الحق:
1- الثبوت و الوجود: ( ولقد حق القول على أكثرهم فهم لا
يؤمنون) (يسو: 7).
2- الأمر الثابت الموجود : (أن قد وجدنا ما وعدنا الله حقا فعل
وجدتم ما وعدكم ربكم حقا قالوا نعم) (الأعراف :44).
*في الاصطلاح :
كل مصلحة مختصة بصاحبها بإقرار الشارع سواء أن كانت تلك
المصلحة تتحقق بها منفعة مادية أو أدبية, وسواء كانت تلك المنفعة
متعلقة بالمال كحق الملكية وحق النفقة أم متصلة بالنفس كحق
الحضانة أم متعلقة بالنظام وشؤون الجماعة كالأمر بالمعروف و
النهى عن المنكر أو متعلقة بالمحافظة على الدين و نشرة.
فالحق في الشريعة الإسلامية لا يكون حقا إلا إذا اقره الشارع
وحكم بوجوده و اعترف له بالحماية.
سبق الإسلام إلى حقوق الإنسان
إن كان الذي وضع للأمم المتحدة بنود حقوق الإنسان هو
الفيلسوف لوك عام 1690 أو الفقيه الإنجليزي بلاكستون في القرن
الثامن عشر, فان الذي وضع للبشرية
حقوق الإنسان هو الذي خلق لوك وبلاكستون, هو الذي خلق الإنسان و
يعلم ما توسوس به نفسه اللطيف بعباده الخبير بخلقه (ألا يعلم من
خلق و هو اللطيف الخبير) (الملك: * )
فبدأ بنفسه مناديا عباده من فوق سبع سماوات يقول لهم (( يا عبادي
! حرمت الظلم على نفسي و جعلته بينكم محرما فلا تظالموا)) 1
و انزل على الناس كافة خبر إكرامهم و رفع قدرهم و توطئة البر
والبحر ولنفعهم على السواء الخلقي وتكريم الآدمي على الإطلاق
فقال رب العزة( ولقد كرمنا بنى آدم و حملناهم في البر والبحر
ورزقناهم من الطيبات و فضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ))
(الإسراء ).
و من قبل ذلك وبعده جعل رب العزة الحق ذاته, ودينه,
ورسالاته,وكتبه ,ووعده و كل ذلك ليعلم قدسية الحق ما ثبت لشخص آو
شئ :
**فهو الحق جلا و علا ( ذلك بان الله هو الحق وانه يحيى الموتى)
(الحج :6) .(و يعلمون أن الله هو الحق المبين) (النور:25).
**ودينه الحق لا ريب فيه(يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ) (النور
25).(هو الذي أترسل رسوله بالهدى و دين الحق ) ( التوبة :33).
**ورسالاته جل و علا كلها حق (ولقد جاءت رسل ربنا بالحق)(الأعراف
:43).
** و كتبه هي الحق ( الله الذي انزل الكتاب بالحق و الميزان) (
الشورى : 17) ( وان الذين أوتوا الكتاب ليعلمون انه الحق من ربهم
) (البقرة :144) .
**ووعده الحق (يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة
الدنيا) (فاطر :5) .
بل بدا الله تبارك و تعالى في رعاية الحقوق و تولى أمر تحقيقها
على الوجه الذي يحبه و يرضاه قبل العالمين و بكل صورها:
- فهو الذي قدم الحق و رفعه على ما سواه (قل إن ربى يقذف بالحق
علام الغيوب ) (سبأ:48).
- وهو الذي يرعى الحق و يحقه(و يحق الحق بكلماته و لو كره
المجرمون ) (يونس 82 ) (و يمح الباطل و يحق الحق بكلماته)
(الشورى:24).
- وهو الذي يحكم بالحق و يقضى به (و الله يقضى بالحق والذين من
دونه لا يقضون بشيء ) (غافر:20) (وقضى بينهم بالحق وهم لا
يظلمون)( الزمر:69).
- مع ذلك كله يهدى ربن إلى الحق ( قل الله يهدى للحق أفمن يهدى
آلي الحق أحق آن يتبع أم من لا يهدى إلا أن يهدى ) (يونس :35).
فهل سبق الإسلام تشريع أو فكر أو منظمة أو هيئة أو جمعية اودولة
الى الاقرار بالحقوق و تولى رعايتها و الاعتاء بها قبل اقرار
الاسلام و رعايتة و عنايته؟؟؟؟؟؟
بل سبق الاسلام الى كل الحقوق و تولى رعايتها و الاعتناء بها قبل
ان يعقل الغرب او الشرق شيئا من ذلك ,يستوعب كل الحقوق و يرعاها
:
* لما كانت المراة فى الحضارة الغربية و الشرقية ,فى حضارة أوربا
وفارس والهند والصين تباع و تشترى ويقامر عليها الرجال ويستعبدها
الازواج, وتحرم من حقوقها الاجتماعية والاقتصادية, كانت فى
الاسلام نكرم وتعظم وتصان ..
*عندما كان الهنود يتصورون المراة على ان (الوباء والموت والجحيم
و السم والافاعى خير من المراة , وانها نحس ورجس )؛ كان الاسلام
ينادى Lاحق الناس بحسن الصحية :امك, ثم امك, ثم امك ) وكان
القران يقرر فى نساء النبى واله ( ليذهب عنكم الرجس اهل البيت و
يطهركم تطهيرا ).
*عندما كان اليونان و فلاسفتهم يرون المراة انها(اكبر منشأ و
مصدر للازمة ولانهيار العالم ) كان الاسلام يجعل المراة قوام
العالم و أصله رحما تنجب,واما تربى ,اختا تعطف, انسانا يكلف ,
مؤمنة تأمر بالمعروف و تنهى عن المنكر,انثى تعمل الصالحات(من عمل
صالحا من ذكر او انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ) فإن كانت
المراة سببا عندهم الى انهيار عالمهم؛فعندنا هى تؤسس للحياة
الطيبة.
*وعندما حرف اليهود التوراة ليدعو انه جاء فيه(المراة امر من
الموت,وان الصالح اما ينجو منها ) كان رسول الاسلام صلى الله
عليه و سلم ينادى (الدنيا متاع و خير متاعها المراة الصالحة).
*وعندما كان النصارى يعقدون مؤتمرهم عام 586م ليدرسوا :عل المراة
تعد انسانا ام غير انسان؟ كان الاسلام قد سبق الى جعل المراة
صديفة و صالحة و خيرة.
فسبق الاسلام الى حقوق الانسان فى كل جانب : حقوقه
الدينية,وحقوقه المدنية ,والاجتماعية و الشخصية و الفكرية
..الخ..
1- سبقه الى الحقوق الدينية:
لقول المولى سبحانه (لا اكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى)
(البقرة:256).
2- سبقه الى الحقوق المدنية المتعلقة بالمال و الاقتصاد:
يقول الله جل و علا ( وللرجال نصيب مما اكتسبوا و للنساء نصيب
مما اكتسبن)(النساء:32).ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :(
لايحل مال امرى مسلم الا بطيب نفس منه).
3- سبقه الى الحقوق الاجتماعية :
أ- الحقوق الاجتماعية الكلية:
مثل حق الدين,وحق النفس ,وحق العقل,وحق النسل :فجعلها كليات
الشريعة ومقاصدها الضرورية؛ فشرع الاسلام الحدود والقصاص
والتعازير لرعاية هذه الحقوق.
ب- الحقوق الاجتماعية العامة:
نحو : حق الطريق (اياكم و الجلوس على الطرقات !! فقالوا مالنا بد
؛ انما هى مجالسنا نتحدث فيها , قال (قاذا ابيتم الا المجالس
فأتوا الطرق حقها.قالوا وما حق الطريق قال : غض البصر وكف الاذى
ورد السلام وامر بالمعروف ونهى عن المنكر.
ج- الحقوق الاجتماعية الخاصة:
كحق المسلم على المسلم و حقوقه الشخصية كما جاء فى الحديث (حق
المسلم على المسلم ست !! قيل: وما هن يا رسول الله ؟ قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم (اذا لقيته فسلم عليه , و اذا دعاك
فاجبه , واذا استنصحك فانصح له ,واذا عطس _فحمد الله, فشمته,
واذا مات فاتبعه).
وكحقه فى عدم التعدى عليه فيما اختار وشرع ,وفى الحديث :(لا يبيع
الرجل على بيع اخيه ولا يخطب على خطبة اخيه).
4-الحقوق الشخصية:
ان لنفسك عليك حقا , ولأهلك عليك حقا , ولولدك عليك حق حقا فأعط
كل ذي حق حقه.
فلسفة الإسلام في حقوق الإنسان
انه احاطها بسياجات ذهبية ثلاثة هى :
1- المقابلة .
2- المشاكلة .
3- المعادلة.
اولا المقلبلة بين الحقوق والواجبات:
حق لك وحق عليك :تعطون الحق الذى عليكم و تطلبون الحق الذى لكم.
وهذا هو الفرق بين الاسلام ومواثيق الامم المتحدة.
ثانيا : المشاكلة فى العمل و الجزاء :
المعتدى على حق غيره يعتدى عليه بشكل ما تعدى به(فمن اعتدى عليكم
فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم )( البقرة:149).
من اعتدى على حق غيره كان عوضه من حقه ( وكتبنا عليهم فيها أن
النفس بالنفس و العين بالعين و الاذن بالاذن و السن بالسن و
الجروح قصاص ) ( المائدة :45).
ثالثا: المعالة :
الحقوق متعادلة , فحق عدل حقك ,فاذا مارست حقك مارسه بما لا
يتعدى حق غيرك.
ان حقوق الناس فى الاسلام متساوية فالله يعاملهم بموجب امرين :
1- التساوى فى الاصل يوجب التساوى فى الحق .
2- فضل بالتقوى ولا يعنى تفضيلا ماديا .
3- التساوى فى حقوق الرجل و المراة (ولهن مثل الذى عليهن
بالمعروف),(للرجال نصيب مما اكتسبوا و للنساء نصيب مما اكتسبن)
(النساء 32) (انما النساء شقائق الرجال ).
و بالتالى الحقوق مقيدة و ليست مطلقة.
الالتزام بحقوق الانسان بين المسلم و غيره
المنظومة الغربية _غير الاسلامية _ تربى الفرد على الوطنية فاذا
خرج الى غير بلاده ووطنه يرعى الحقوق التى تسهم فى مصلحة نفسه
ووطنه فقط .بينما المسلم تربيته انسانية ؛ اينما وقع نفع و اينما
توجه يات بخير و ليس كلا على وطنه و اهله .
فالحق ملزم مهما وجدت اسباب التخلى و التحلل من الالتزام به عند
غيرنا من الضراء و السراء و النفع الذاتى بعد الانساب و القرابة
و غير ذلك.
فالمسلم يجب ان يلتزم لغيره بحقه مهما كان ذلك مؤثرا فى وضعه و
فى ظروفه و فى منافعه و مصالحه الخاصة و الالتزام بحق الآخر -
ولو كان كافرا و لو كان محاربا - ناهيك ان يكون مسلما مخالفا فى
الراى او المذهب او الفكر. الالتزام بحقه يكون بلوازم قيمة اهمها
:
1- القوامة القسطية:
وهى ان يكون راعى الحق قواما بالقسط يحرص على حق غيره كما يحرص
على حق نفسه . ولذلك امر كل المؤمنين ان يعطوا الآخر حقه كاملا
من غير انتقاص ولو اثر ذلك فى منافعهم و مصالحهم الذاتية فقال
تعالى ( يا ايها الذين امنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو
على انفسكم او الوالدين و الاقربين ان يكن غنيا او فقيرا فالله
اولى بهما ) (النساء:135) . وقال تعالى (ولا يجرمنكم شنان قوم
على الا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى ) (المائدة:8) . (الذين
ينفقون فى السراء و الضراء ) ( ال عمران:134).
بينما غيرنا يلتزم بحق الآخر ما دام ينفعه ذلك الالتزام , اما
اذا عاد عليه بالضرر ؛ او لم يجد ما قصد اليه من المنفعة و
المصلحة فانه لا يتردد فى التخلى عن التزاماته و النكوص عن وعوده
و عهوده ,وقلب ما كان يراه حقا الى غير حق.
وهذا من التطفيف فى المبادئ و المواثيق و العهود و لا شك التنبيه
اليه يشمل هذه الاحوال فى قول الله تعالى (ويل للمطففين الذين
اذا اكتالوا على الناس يستوفون واذا كالوهم او وزنوهم يخسرون) (
المطففين:1-3 ).
اذا كان الحق التزموا به مذعنين , و اذا كان لغيرهم اعرضوا دالين
شاهدين على خلل عقيدتهم و سفل اخلاقهم و مرض قلوبهم و الافراط فى
الانانية و عبودية ذواتهم , مصداق قول الله تعالى ( و اذا دعوا
الى الله و رسوله ليحكم بينهم اذا فريق منهم معرضون وان يكن لهم
الحق ياتوا اليه مذعنين . أفى قلوبهم مرض ام ارتابوا ام يخافون
ان يحيف الله عليهم و رسوله بل اولئك هم الظالمون ) ( النور
48-51).
هذا هو الحال فى النظرة الغربية و تطيبق اهلها لدعاوى حقوق
الانسان, كلما كان النفع تعداهم الينا ,تحايلوا على تفويتها او
تضيعها او تضيقها علينا.
2- المسؤولية الخلقية:
فعند المسلم الملتزم بدينه يكون من العار ان يعتدى على حق غيره
مهما كانت الاسباب المادية المنفعية التى يبرر بها تصرفاته و
اعتداءاته على الامم المستضعفة الا بالحق مما يجعل شعوب الغرب
ايام سلفنا الصالح رضوان الله عليهم يطلبون من المسلمين تخليصهم
من اهل دينهم ايام ابى عبيدة بن الجراح يرسلون اليهم الوفود
يقولون لهم "مرحبا بكم هلموا الينا فانتم ارحم بنا من اهلينا و
حكامنا من بنى جادتنا".
3- المسؤولية الدينية :
و القران و السنة مليئان بالاوامر و التوجيهات و الارشادات
يوجبان و يفرضان و يستحبان الالتزام يرعاية حقوق الناس و اداء
الامانات الى اهلها و يحرمان الوقوع فى حرمات الغير و الاعتداء
على حقوق الاخرين مساما كان هذا الآخر ام كافرا عالما او جاهلا
متعلما او اميا و لم يكن للمسلمين خيارا ابدا ولا بد قط من
الالتزام بذلك.
اما غيرنا فغالب حالهم -كما نرى اليوم و نشاهد - كحال اهل الكتاب
_ وهم اهل كتاب _ الذين وضعوا معيار الالتزام كما اخبر القران
عنهم ( و منهم من ان تامنه بدينار لا يؤده اليك الا ما دمت عليه
قائما ذلك بانهم قالوا ليس علينا فى الامين سبيل و يقولون على
الله الكذب و هم يعلمون ).
رعاية حقوق الانسان بين عولمة الغرب و عالمية الاسلام:
فالغرب يتخذ من التشدق برعاية حقوق الانسان وسيلة من وسائل
التسلط و بابا من ابواب الاقهار و الاستضعاف و "كرتا" يلوح به فى
وجه يبغضه و يشناءه و يرهبه كذلك لتحقيق عولمتهم التى تقوم على
القهر و لارغام و التجبر و التسلط و السيطرة و الاخضاع و الاسماع
من غير اقناع ؛ بينما الاسلام ينطلق بعالميته مبشرا و نزيرا لا
تسلط فيهما ولا قهر ولا اجبار بل اختيار ورضا وقناعة وتذكير
بالحسنى ( ادعوا الى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة وجادلهم
بالتى هى احسن )..(ما على الرسول الا البلاغ النبين)..(فذكر انما
انت مذكر لست عليهم بمسيطر).
وبحسب النظرتين يكون الالتزام بحقوق الانسان فهم يستغلون بنودها
و نحن نقيمها على الحق و الخير و الصلاح وديننا يامرنا بذلك و فى
صريح القران (ان الله يامركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها)..
رعاية الحقوق بين المبادئ و المصالح :
و المسلم الحريص على رعاية حقوق الناس يردها الى اصحابها و
يؤدى اماناتهم اليهم لا لمجرد ان ذلك يعود عليه بالنفع و الخير
الانى و انما من قبل ذلك ومن بعده لانه يلتزم به و يرعاه و يقيم
عليه منهجه على حب و قناعة . بينما غيرنا يرعى حق غيره لو كان له
فى ذلك منفعة و مصلحة.
رعاية الحقوق بين الالتزام و الاحسان:
انه التزام يعنى لحوق العقاب و السخط ممن الزم بها -و هو رب
العزة القهار القادر على ذلك - فى الحياة الدنيا و فى الاخرة
لذلك يكون المسلم حريصا على الالتزام بما الزمه ربه ويراه حتما
عليه فعله وواجبا عليه القيام به على ما يبرئ ذمته و يخلى سبيله
من المساءلة و المحاسبة الدينية والاجتماعية.
وهى رعاية للحقوق تتجاوز مجرد الالتزام خوفا من المساءلة
والمحاسبة الى استكمال وجوه الرعاية لتكون تامة على احسن وجهو
اكمل وجه واجمل وجه فيكون احسانا فى الرعاية من بعد الالتزام
الواجب . و المسلمون اقاموا حياتهم كلها على الاحسان للاخرين ولو
كانوا كفارا محاربين يحسنون اليهم فى بر و قسط يعطونهم الحق الذى
لهم و يرعون الحق الذى عليهم .
|